نيابة إدارية لإحكام المنازعات الحكومية
راكان بن حثلين: هشاشة التكييف القانوني للدعاوى المرفوعة من الاجهزة الحكومية، وتحولها الى أداة لتبرئة المتهمين
راكان بن حثلين: افتقار الدعاوى المرفوعة لأبسط مقومات الادانة يشير باصابع الاتهام إلى الادارات القانونية في الاجهزة الحكومية
راكان بن حثلين: تفرد الادارات القانونية بإجراء التكييف القانوني للدعاوى القضائية تسبب في خسارة الدولة للكثير من القضايا والمنازعات
راكان بن حثلين: الوزارات اعترفت بخسارة مبالغ مالية الا ان السلطتين التشريعية والتنفيذية لا تحركان ساكنا لإصلاح الوضع
في ظل تقاعس المشرع عن التصدي لمسؤولياته في حماية المال العام، والدفع بإنشاء المحاكم الادارية والنيابة الادارية، لم يعد مستغربا ان يتحول المتهم بالتعدي على العام، الى بريء يستنزف التعويضات من أموال الدولة، ويتمادى في ارتكاب المزيد من التجاوزات، بسبب هشاشة التكييف القانوني للدعاوى المرفوعة من الاجهزة الحكومية، وتحولها الى أداة لتبرئة المتهمين، بدلا من ادانتهم، وضياع مبالغ طائلة من المال العام.
كثيرا ما وجهت اصابع الاتهام الى الادارات القانونية في الاجهزة الحكومية المختلفة، بالتقصير او التقاعس عن اداء دورها على اكمل وجه، وفي احيان تتهم هذه الادارات بالتواطؤ، بسبب وجود علامات كبيرة وكثيرة عن اسباب افتقار الدعاوى المرفوعة من الجانب الحكومي لأبسط مقومات الادانة، وتضمنها «ألغاما» تشكل منافذ تبدو كأنها مرسومة لإنقاذ المتهمين، وتحويلهم من جناة الى مظاليم.
ولاشك ان تفرد الادارات القانونية التي تعتمد في كثير من الاحيان على مستشارين من الوافدين، بإجراء التكييف القانوني للدعاوى القضائية، وعدم وجود جهة محايدة تراقب عمل القانونيين، وتقيم مدى جدية هذه الدعاوى من عدمها، ساهم بشكل كبير في هذا الأمر، وتسبب في خسارة الدولة للكثير من القضايا والمنازعات، سواء كانت بين الدولة والموظفين، او بين الدولة والشركات والمقاولين.
فإذا كان التكييف الأولي للقضايا ضعيفا، تأتي الأحكام القضائية فيها بناء على هذا، والدفوع والاسانيد ونوعية النقاط المذكورة فيها، بالاضافة الى الحجج القانونية والمواد الجزائية المطلوب تطبيقها، ويمكن ان تنتهي في الكثير من الأحيان الى الحفظ في «الاحالات الشكلية»، او براءة المتهمين، وخصوصا اذا كانت الادارة القانونية غير محايدة.
وهنا تبرز أهمية وجود نيابة ادارية لتكون رقيبا على الادارات القانونية، ومدققا على الدعاوى المرفوعة من قبل الجهات الحكومية، لتتولى وضع التكييف القانوني الصحيح للقضايا من ناحية الشكل والمضمون والأسانيد وطبيعة الجرم وحجمه، وما المواد القانونية التي يحتكم إليها في إيقاع العقوبات الجزائية.
كما أن من المهم ان تنشأ محاكم ادارية مختصة بدرجاتها الثلاث (الابتدائية الاستئناف التمييز)، تكون محترفة في القضايا الادارية، ولديها الخبرة في هذه القضايا والمعرفة التفصيلية، من اجل تخفيف الضغط عن الداوئر الادارية في مختلف درجات التقاضي.
فعمل المحاكم الحالية يختلط بالقضايا الجنائية، ما أدى الى تأخر النظر في بعض القضايا الادارية لعدة سنوات، بشكل ساعد المتجاوزين على النفاذ بفعل المتغيرات، ناهيك عن سقوط بعض القضايا بالتقادم.
ومع الأسف الشديد أنه على الرغم من تلمس الخلل في الوضع الحالي، واعتراف الوزارات بخسارة مبالغ مالية طائلة نتيجة سوء اداء اجهزتها القانونية، وخسارة الكثير من القضايا لصالح مقاولين او الشركات المتعاقدة مع الحكومة، او الموظفين، الا ان السلطتين التشريعية والتنفيذية لا تحركان ساكنا لإصلاح الوضع.
إن المطلوب من الحكومة أولا بصفتها المسؤولة بالدرجة الأولى عن حماية المال العام، ومن أعضاء مجلس الأمة بصفتهم المؤتمنين على مصالح الشعب، ان يبادرا بإقرار التشريعات اللازمة لإنشاء النيابة الإدارية والمحاكم الإدارية، من اجل وضع حد للتعديات على أملاك الدولة، واستنزاف المال العام من خلال تعويضات تصرف على قضايا ومنازعات يراد لها ان تكون خاسرة.