شطب المجلس.. وحرق الوجوه
راكان بن حثلين: هناك من يصر على افتعال الأزمات من اجل اشغال الشارع في «فقاعات» زائلة
راكان بن حثلين: إعلان التميمي تلقيه اموالا من مجلس الوزراء للمساعدات.. «شرارة» اشعلت الأزمة
راكان بن حثلين: ما حدث أودى بآخر ما تبقى لهذا المجلس من ماء الوجه وحوله إلى مجلس صوري
راكان بن حثلين: استقالة ثلاثة اعضاء من المجلس لن تؤدي إلى شلل العمل التشريعي.. ولكن ليس من السهل إعادة الثقة بالمؤسسة التشريعية
لا تكاد صفحة من التأزيم السياسي تطوى حتى تفتح صفحة جديدة، وكأن هناك من يصر على افتعال الأزمات من اجل اشغال الشارع في «فقاعات» زائلة، بدلا من التركيز على القضايا المصيرية للبلد، أو اتخاذ هذه الأزمات وسيلة لـ«حرق» بعض الوجوه السياسية وتهيئة الأجواء للاعبين جدد لترك مقاعد الاحتياط، والنزول كلاعبين أساسيين في العمل السياسي، ليحلوا محل الوجود المحترقة.
وآخر الأزمات المستجدة تقديم ثلاثة من أعضاء مجلس الأمة استقالاتهم احتجاجا على شطب الاستجواب المقدم من قبل الى سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، وما وصفوه بعد الحيادية في إدارة المؤسسة التشريعية من قبل رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم.
وبالعودة الى «الشرارة» التي اشعلت هذه الأزمة، والتي تمثلت في إعلان النائب عبدالله التميمي تلقيه اموالا من مجلس الوزراء للمساعدات، نجد في الأمر «إن»، ولا سيما بعد ان أكد المحاور في ذلك اللقاء الإعلامي عمار تقي أن النائب كان على علم مسبق بهذا السؤال بالتحديد، أضف الى ذلك أنها ليست المرة الأولى التي يذكر فيها النائب التميمي هذا الامر، فما الذي استجد ؟ وما السبب في إصرار النائب على تكرار إثارة هذا الموضوع على وسائل الإعلام، في الوقت الذي تعيش فيه الساحة السياسية على صفيح ساخن؟!
قد يكون هذا السيناريو نجح في إشغال الشارع عن موضوع آخر، وخلق مادة جديدة للتداول الإعلامي، إلا أنه دون أدنى شك أودى بآخر ما تبقى لهذا المجلس من ماء الوجه، وحوله إلى مجلس صوري، ينحصر دوره في تنظيم الاستقبالات والوفود البرلمانية، او جهاز خاضع لإدارة الحكومة، تمرر من خلاله ما تشاء، وتضرب بما لا تشاء عرض الحائط.
وإذا كنا نرفض تعسف النواب في استخدام صلاحياتهم الدستورية تجاه الحكومة، فإننا ايضا نجد في ما تم من شطب للاستجواب تعسفاً من قبل الحكومة في استغلال الثغرات الدستورية من أجل ارتكاب جريمة بحق المؤسسة التشريعية، وبحق الديموقراطية الكويتية، التي «كانت» محل فخر لنا أمام المحافل الدولية، ومثار غبطة الشعوب الأخرى.
صحيح ان استقالة ثلاثة اعضاء من مجلس الأمة لن تؤدي إلى شلل العمل التشريعي، لأن من بين ابناء الشعب الكويتي كفاءات كثيرة قادرة على خوض الانتخابات التكميلية المتوقعة، وسد النقص في المقاعد الخضراء، ولكن ليس من السهل إعادة الثقة بالمؤسسة التشريعية، بعد ان سلبت منها ارادتها، وأصبح النواب يشتكون العجز وقلة الحيلة أمام هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية.
وللأسف، مهما حاول البعض من خلال العبارات المنمقة، والتبريرات المستهلكة تجميل صورة المجلس الحالي، فإن مؤشرات الهبوط الكبير لأسهم هذا المجلس لدى الشعب الكويتي باتت واضحة، وأحد مؤشراتها اقتراب عدد الجمهور الذين يقصدون قاعة عبدالله السالم لمتابعة سير جلساته من «الصفر»، بعد ان كانت القاعة تزدحم بالحضور عند كل استجواب.
وقد نختلف او نتفق على محاور الاستجواب، وما إذا كان الأمر يرقى الى رفع كتاب عدم التعاون مع الحكومة أم لا، ولكننا لا يمكن ان نشك في أن هناك من الوزراء ومن مستشاري مجلس الوزراء ومن النواب الذين اصبحوا ملكيين اكثر من الملك، من أساء الى سمو الشيخ جابر المبارك، بأن أقنعوه باللجوء الى أسوأ الخيارات في التعامل مع الاستجوابات، بدلا من التعامل معها وفق الاطر المتعارف عليها في المجالس السابقة.
كان الأجدى والأفضل مواجهة الاستجواب وتفنيذ المحاور في جلسة علنية، ولا سيما بعد ان نفى سمو رئيس مجلس الوزراء تقديمه اي أموال للنواب، أو اللجوء الى طلب إحالة الاستجواب الى المحكمة الدستورية، او اللجنة التشريعية، او حتى طلب مناقشته في جلسة سرية، فكل هذه الخيارات لن تحمل من السوء بقدر ما حمله قرار «الشطب» من استفزاز للنواب الذين يمثلون المعارضة في المجلس الحالي، وللشارع الناقم أساسا على أداء السلطتين.
على الحكومة ان تعيد النظر في أسلوب تعاملها مع المجلس على أساس احترام كل سلطة لصلاحيات ومسؤوليات وواجبات السلطة الأخرى، وأن تعي ان أي عملية سياسية «راشدة» لا يمكن ان تتم في ظل ازدراء وإقصاء تام للمعارضة، أو في ظل «شطب» المجلس وتحويله الى غطاء لشرعنة وأد الأدوات الدستورية.
راكان بن حثلين