مخاتل بإهاب واعظ
في يناير 2010 ذكر السعودي سلمان العودة في برنامجه على الـ«إم بي سي» أنه تلقى سؤالاً من أحد كبار أمراء العائلة المالكة السعودية يستفتيه فيه عن حكم احتفاله بميلاده، لأن أحفاده أعدوا له هذه المفاجأة وهو في حرج من ذلك ويحتاج إلى فتوى تريحه. وكان سلمان العودة في عام 1998 أي قبل ذلك بثلاث عشرة سنة قد تعاهد مع بعض أتباعه ومريديه في سجن الحاير جنوب الرياض، ألا يلبسوا الشماغ الأحمر مرة أخرى، وكما يشرح لي الصديق عبدالعزيز وهو واحد من مريدي العودة عبر ثقب بين زنزانتينا في خريف 1998: «لقد تعاهدنا مع الشيخ ألا نلبس إلا الغترة البيضاء، فالشماغ الأحمر يرمز إلى آل سعود، وعلينا أن نتحرر منهم».
تكاد تكثف هاتان القصتان حقيقة المشكلة وغورها العميق، بين الغفران والأحقاد، وبين الثقة والخلابة، وبين الصفح وإضمار الخيانة. في تاريخ الدولة السعودية الثالثة يكاد يكون الناشطون السياسيون من لابسي المشالح الملتحين هم الأكثر حظوة في فرص الغفران من بين كل فئات المعارضين الذين اضطرت الدولة إلى إيقافهم وسجنهم، أو التحقيق معهم وتتويبهم، ولهذا كان أخذ التعهد المكتوب على سلمان العودة بعد توبته أمام وزير الداخلية الأسبق الأمير نايف بن عبدالعزيز، خالياً من أي كسر وإذلال. كما يقال دائماً، لقد ترك الباب موارباً، فقد أعطى المواطن كلمتَه وعهده للأمير، وبينما كان متطلعاً إلى معاملة أكثر امتيازاً، سمح الأمير له بأن يكون على اتصال مباشر معه ومع مساعده.
لا يمكن البتة إهمال التأثير السلبي للدعم والحظوة الخاصة التي منحتها القيادة السياسية -عن حسن نية- لطامح سياسي في إهاب واعظ، مهووس بالنفوذ والسلطة، وتجلت نتائج هذه الخصلة المدمرة في بعض من مريديه المساكين الذين كانوا لسنوات مكان السُخرة والانصياع والطاعة العمياء، وبعد أن استُنفدت عصارةُ كثير منهم سنواتِ في حظيرة الطاعة، وجدوا أنفسهم معلقين في الهواء، كاليتامى بعد أن سرقت منهم أعظم خصال الإنسان الذي كرمه الله، وهو التفكير الحر والنقد والسؤال، فقد كانوا لسنوات أدوات لتنفيذ رغباته. بعض منهم كانوا بحاجة إلى تأهيل نفسي وفكري، كما تؤكده شهادة واحد من أقرب الناس إليه في شهادة وثقتها مسجلة على يوتيوب باسم «بدايات التنوير- سلمان العودة».
كان العودة يأنف على الدوام أن يظهر سعودياً، أو أن يذكر بالخير إنجازاً واحداً لدولته، خلافاً لمناسبات أخرى امتدح فيها إصلاحات زين العابدين بن علي، ومعمر القذافي. لنتذكر مرة أخرى، أن العودة بعد الإفراج عنه بقي مخاتلاً في تجنب أي ذكر للمملكة العربية السعودية، أي أنه نال كل ما يريد ولكنه لم يعط شيئاً. وفوق ذلك فقد تحاشى كل رؤساء تحرير الصحف السعودية لأكثر من عشر سنوات نشر أي نقد له ولأفكاره، أو فتح النقاش حول ما جرى بين عام 1991 حتى 1994، بل على العكس، انهال مثقفون ورجال دولة كبار للسباحة في فلكه هياماً وانجذاباً، أسماء وتوجهات كانت دائماً مهبط تضليله وهدفاً لفتاواه المضللة ومحاضراته المحرضة التي كانت تشجع الإرهاب في الجزائر وتصب اللعنات على الصحافة العلمانية السعودية! وهؤلاء المثقفون بدوا كمن رضي بالتفاتة أو عطفة تمنحهم بطاقة القبول وترفع عنهم الحِرم، وتسبغ عليهم تزكيته. لقد كانت غبطتهم مثاراً للشفقة! إن حكاية «السعوديين الضالين» وأسبابها البعيدة الغور، تختزلها قصة حظوة واختراق واعظ مخاتل تحاشى على الدوام أن يعترف بما تحمله وثائقه الثبوتية، وأن يقول ولو لمرة واحدة «أنا سعودي»
منصور النقيدان