مقالات

مدرسة علي!

أشهد ان من يردد القول الغابر “أكبر منك بيوم, أفهم منك بسنة”, فيه من مقومات الجهل والتخلف, ما جعله لا يجد ما يفاخر به سوى تقدمه في السن, أو بيوم ولادته الذي جاء أبكر من مولد الآخرين! فها هو علي الراشد, أصغرنا سنا, وأصغر سنا من جميع المخضرمين على الساحة, اضحى بحكمته ورزانته وعطائه وأدائه, وإخلاصه, ونزاهته, مدرسة وطنية كبرى, يقدم فيها دروسا خصوصية مجانية, يتعلم منها الكبار قبل الصغار, كيف تتخذ القرارات الشجاعة, والثبات على الموقف, في أصعب الظروف وأشدها, من دون الاستعانة بالآلة الحاسبة, لحساب ما سيجنيه أو يخسره جراء مواقفه المبدئية.

علي الراشد يختلف عن الآخرين في كل شيء, حتى باستقالته من المجلس كان مختلفا, فهو في عز شبابه, وقمة نجوميته, والمستقبل واعد أمامه, وشعبيته في ازدياد وفي أعلى مستوى لها.

ومع ذلك, أبى إلا أن يقرن كتاب استقالته بقرار اعتزاله العمل البرلماني, والافساح في المجال للآخرين.

وهو بهذا الموقف المشهود – الذي لا يتخذه إلا من هو بقامة الراشد – كأنما هوى بصفعة مدوية على قفا جميع المتكسبين, والمزايدين على الشعب بزهدهم وتعففهم عن المناصب. وقد رأينا جميعا ما أصاب ذلك “الختيار” العجوز من هذيان جراء الإحراج الذي سببته له استقالة الراشد, حتى أنه لام زميله القاعد الى جانبه, الذي هو بعمر أحفاده, فقط لأنه جامل الراشد بتحية شفهية! هذا هو الفرق بين علي الراشد, وبقية الأفاقين, ممن يحتلون الساحة ويتاجرون بالشعارات الوطنية, ووقت الجد, نجدهم أجبن من يتمسكون بها. وهذا هو وجه الاختلاف, الذي يجعل الراشد متميزا ومتفردا عن ال¯ 49 نائبا في كل مجلس يفوز بعضويته.

ولأنه ليس كالآخرين, فالاخرون يحسبون له ألف حساب وحساب, ويكفي فقط أن يدلي بتصريح, أو يظهر في لقاء تلفزيوني, حتى تلتهب الساحة, ويتداعى له الخصوم بالسهر والحمى حتى مطلع الفجر, وأحيانا إلى ما قبل صلاة الظهر. ولا أظنكم نسيتم, أن رئيس إحدى الجهات الحساسة, تخلى عن كثير من المحذورات, وخص الراشد وحده بتصريح يرد عليه فيه, وهو أمر غير مسبوق إطلاقا, ولن يتكرر بتاتا. فعلام يدل ذلك? ألا يدل على أن هذا القطب البرلماني, والرمز الوطني الكبير, يشكل بمفرده رقما صعبا, لا يمكن لأقواله وأفعاله أن تمر مرور الكرام? علي الراشد لو لم تستقل, لما كنت علي الراشد الذي عرفناه وخبرناه.

هنيئا لأسرتك الكريمة بعودتك إلى أحضانها, ونسأل الله تعالى أن يعوض خسارة من كانت لحوم أكتافهم من خير شتمك, فأنا أعلم أنه ليس من شيمك قطع الأرزاق. وقدرك يا أبا فيصل أن تكون مدرسة يتعلم منها الكبير قبل الصغير, في جميع ما مررت به من مراحل, نائبا, ووزيرا, ورئيسا, وزعيما سياسيا… فشكرا لك يا معلمي وأستاذي.

صالح الغنام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.