مقالات

ترجل الفارس.. والأسوأ قادم!!

ترجل فارس المجلس الأخ علي الراشد ليس فقط من هذا المجلس باستقالة مسببة، وإنما من الحياة البرلمانية كلها.. فقد أعلن في مؤتمره الصحافي انه لن يخوض الانتخابات البرلمانية مرة أخرى وسيتفرغ لأسرته الصغيرة وتجمع المسار الحديث النشأة ليكون تياراً وطنياً تعتمد عليه الكويت بالقادم من الايام.

ترجل الفارس أخيراً وكان أعلانه خلال المؤتمر بمثابة صدمة كبيرة ليس لمحبيه فحسب وانما حتى لكل من اختلف معه!! فالصيحات تعالت، والدموع اغرقت عيون الرجال قبل النساء، رأيت هذه الدموع بأم عيني، كانوا يدركون حجم خسارتنا نحن ككويتيين من جراء ترجل رجل بقيمة علي الراشد.. وإقدامه على ترك الحياة البرلمانية والابتعاد عنها.. ما الذي يعنيه علي الراشد للسواد الأعظم من الكويتيين.. ولماذا يدمعون حزناً لقراره؟ ببساطة «الراشد» يعني الرجل البسيط، المخلص، الوطني الذي خاض معارك كثيرة ضد الفساد وضد من أراد ان يعيث بالوطن فساداً!.

٭٭٭

قرار علي الراشد بالابتعاد عن الحياة البرلمانية هو رسالة للجميع، عندما قال: «أنا لا استطيع ان اعمل في هذا الجو المسموم»، منذ سنوات وعلي الراشد يكرر هذا التعبير ويستخدم هذا الوصف لماذا؟!.

فقد تعرض «الراشد» على نحو خاص لما لم يتعرض له أي سياسي في تاريخنا من السب والشتم ومحاولات النيل من قدره، ولم يتعرض أحد لمثل ما تعرض له من التربص والمؤامرات والتدليس، ومع ذلك كان صامداً يدرك أنه يمثل شعباً بسيطاً، ائتمنه لكي يمثله وأن يوصل صوته في كل المجالات سواء داخل المجلس أو خارجه..هذا الرجل كان فارساً بحق..كان ينشد الاصلاح بكل ما أوتي من امكانية وقدرة، وكان راغباً دوماً في مساعدة الناس.

٭٭٭

وبلغت فروسيته حد أنه كان يتصدى لأي ظلم يقع على زميل له داخل البرلمان حتى لو اختلف معه.. كذلك لو طال الظلم وزيراً زميلاً له داخل البرلمان حتى لو كان مختلفاً معه، فما بالنا اذا بالظلم وصل الى أي مواطن عادي.. فقد كان يرفض الظلم بكل أشكاله ولذا فان مواقفه لم تتغير، حتى مع خصومه، فقد ظل «الحق» هو المسطرة الوحيدة التي يعمل عليها، شعاره الدائم والأزلي منذ دخوله هو انه «مع الحق والحق ما يتغير».. كنت أراه دائماً يقف في طريق، لا يعرف المغانم..بل طريق لا يعرف كيف يحسب حساباً للمكسب والخسارة، كمقولة سيدنا علي: ان طريق الحق سالكيه قلة، فقد كان هو تجسيداً حياً لهذه المقولة، دخل في صراعات كثيرة وتصدى بمفرده وبالتعاون مع البعض – أحياناً –في دفع الظلم عن كثير من الضعفاء سواء داخل البرلمان او خارجه.. وبما انني في قلب الشأن العام ومهتمة به وبما انني حضرت على مدى 20 سنة اغلب الاستجوابات التي نوقشت في البرلمان أو عرضت عليه منذ دخول هذا الشاب (علي الراشد) الى مجلس الأمة، وأنا أتابع مواقفه سواء مع الحكومة او ضد الحكومة وللأمانة أقول انها كلها كانت مواقف مع الحق في أطار الدستور ومواده ولوائحه.

٭٭٭

علي الراشد يمثل لنا كشعب حلم الاصلاح، ويعتبر لنا السد المنيع في مواجهة أي ظلم، وفي إحقاق الحق لأهله، وكانت مسطرته واحدة.. كلماتي هذه ليست مبالغة، ومن يعرفه جيداً ممن زاملوه في مسيرته البرلمانية يعرفون ذلك أنه بمثابة «ثروة انسانية»، وشجاع، ورجل لا يخشى في الحق لومة لائم، ولكن تكالبت ضده جحافل الذئاب والانتهازيون والفاسدون والمتخاذلون والضعفاء والجبناء، وعلى مدى سنوات حاولوا ان يكسروا «هذا الجبل»، ولكنهم لم يستطيعوا !!.

واليوم.. ربما يشعر هذا الجسد بالتعب لأن الأيادي المساندة لكلمة الحق قد قلت أو لأن الكثيرين استوحشوا طريق الحق نفسه وأصبحوا قلة!!.

علي الراشد ليس من طلاب المناصب.. وإنما المناصب تأتي اليه، فقد «رفس الكرسي» الذي رأينا على مدى سنوات كيف كان الكثيرون عبيداً له، أما هو «الراشد»..فقد كان سيداً لهذا الكرسي في كل الظروف !!.

٭٭٭

إن ترجل علي الراشد من الحياة البرلمانية لن يكون خسارة للشعب فقط وإنما خسارة للنظام !! – نعم خسارة للنظام – فقد وقف «الراشد» مؤازراً ومسانداً وداعماً لهذا النظام في أوقات عصيبة، وعلى مدى سنوات طويلة مضت..كان يتلقى الرماح من كل صوب، ولم يفكر بشيء سوى ان النظام «خط أحمر» لا يقبل القسمة على اثنين، وظل يردد ذلك ويقول سأظل مخلصاً لهذا النظام مهما حصل، ولم يكن يفكر أبداً في ان يستغل ذلك وفي أحلك الظروف، وعندما يتذكر الناس العهد الأموى وكيف ينظر الناس الى من كانوا أوفياء لهذا العهد الى ان سقط «عهد الأمويين»..وأنا هنا لا أقارن عهدنا بعهد الأمويين، ولكن أقول هذا انطلاقاً من كوني مواطنة كويتية مهتمة ومتابعة للشأن العام وأعرف كل ما حدث في الشأن الكويتي في تاريخنا المعاصر، أقول انه اذا كان الشعب قد خسر مرة فالنظام خسر مرات!!.

٭٭٭

فعلي الراشد هو النموذج الوطني الذي تصدى للمخطط المرسوم عندما «كادت الكويت ان تضيع»، والتف الناس حوله من اجل تحقيق الاستقرار، في فترة عصيبة كان الجبناء والمتخاذلون وأشباه الرجال والطلابون «للكراسي والحكم»، ينتظرون بأموالهم وبنفوذهم القفز من السفينة، كانوا دوماً كالشوكة في خاصرة النظام.. وعندما استقرت الأمور، ظهروا كالضباع ليحصدوا الغنائم ويأكلوا من لحم اخوانهم..يا للمهزلة انهم اليوم يتصدرون المشهد السياسي !!.

وقت ان كان هناك الكثير من المرتزقة المنتظرين لحصد المكسب والخسارة، ووقت أن كان هناك الكثير من الانتهازيين المنتظرين للفوز بالغنائم وقفت – يا علي – كصرح شامخ تتلقى كل الرماح التي تطلق على النظام، ولم تطلب نظير ذلك الا استقرار هذا البلد.

٭٭٭

علي الراشد ليس هو فقط هو من قدم مشروع قانون الصوت الواحد، الذي التجأت اليه الدولة ليكون طريق الاصلاح من بين كل المسارات السابقة والتي استوطنتها كل الأمراض السياسية والقبلية والطائفية وغيرها.. ودافع عن هذا المشروع الذي ارتضاه النظام، وكان رئيساً لمجلس الأمة وتعرض لأبشع ألوان السباب وعاش أسوأ لحظات التصيد والتربص ومع ذلك لم تمر على الكويت لحظة استقرار اكثر مما مرت بها في السنوات السابقة، كانت هناك تشريعات سابقة كانت هناك رقابة، وكان هناك استقرارا لم تشهده الكويت سابقاً، ولكن اصحاب الاجندات الخاصة وأنصاف الرجال والمتنفذين وأصدقاء الأمس، لم يقبلوا ذلك واليوم نحن في مشهد سياسي جديد سيئ والذي أعرفه وأثق به هو ان الأسوأ قادم !!.

٭٭٭

ترجل علي الراشد عازفاً عن الحياة البرلمانية نهائياً، مع انه وهو القادر بحب الشعب ان يمتلك هذا الكرسي سنوات وسنوات ولكنه تركه.. وارسل رسالة لكل المتنازعين على هذه الكراسي، من أصحاب الملايين الذين ينهشون بالوطن من أجل مصالحهم، أعطى لهم رسالة ان هذا «الكرسي» لا يعني شيئاً وأنه يجب ان يكون لخدمة الناس لا لخدمة مصالح خاصة.

قدم «الراشد» رسالة عندما تخلى عن هذا «الكرسي»، وعن هذه الحياة لكل الساسة، ولكل الذين ينهشون في الوطن وللقيادة السياسية.. بأن علي الراشد ليس هو من طمع بالكرسي كما يحلو للبعض ان يصوروا، لكن الذي لا يستطيع ان يتحمله علي الراشد هذا الجو المسموم الذي عنوانه عدم الوفاء والخيانة والتآمر من جميع الذين كسبوا بابتعاد على الراشد !!.

٭٭٭

ارجع يا علي الراشد الى اسرتك الصغيرة والى زوجتك التي عانت الكثيرمع ابنائك، والكثير الذي تحملته طيلة السنوات السابقة من اجل هذا الوطن فهم يستحقون رعايتك.. وتجمع المسار الذي بدأ لبناته بثلة رائعة من المنتسبين اليه والذين ينشدون «الإصلاح والتنمية والاستقرار».. عزاؤنا الوحيد ان تبقى يا «بوفيصل» وتمثل هذا التجمع ويكون لك مواقف من خلاله كما عهدناك في الاوقات الحرجة للكويت والمصيرية، دعني أقل لك في الختام انني اعرف ان قوتك ليست في كرسي النيابة، وانما قوتك بأصالتك واخلاقك وخبرتك التي اكتسبتها طوال السنوات السابقة في العمل القضائي والتشريعي والتنفيذي..أنت بالنسبة لنا مرجعية نفتخر بها.

وفي النهاية دعني أعترف لك انني أعرف كلمة العزاء لترجل الفارس على الراشد يجب ان توجه لمن !!.

.. والعبرة لمن يتعظ !!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.