هل هي القيامة؟
هل يمكن للانسان، الذي امضى الالوف الاولى من وجوده على سطح كوكب الارض في زراعتها وتعميرها وتحسين احوال المعيشة فيها وبناء كل هذه المدن والمنشآت واختراع كل هذه الآلات، ان يتحول اليوم الى كارثة او وحش كاسر يهدد الارض وما عليها؟
هذا ما يؤكده الجراح الانجليزي البارز، رائد جراحة نقل الاعضاء، والغارق في مشاكل الانسان المعاصر، «سير روي كالن Roy Calne في كتاب وضعه عام 1994. فزيادة اعداد البشر المستمرة بكل ميولهم المدمرة والهجومية، وتقدم الانسان الذي قام على حساب الكائنات الاخرى والنباتات، يقول، بمثابة «اصابة الارض بمرض السرطان الذي سوف ينتشر ويلتهم كل المواد الحية، ما لم يتم اتخاذ عمل جذري لايقاف هذه الزيادة في النمو السكاني». (عالم يغيض بسكانه، الكويت: عالم المعرفة، 1996، ص157).
النمو السكاني في الدول النامية وبخاصة في المناطق الريفية يتزايد بمعدل مخيف، «فهناك يعني انجاب مزيد من الاطفال مزيدا من الايدي العاملة التي تساعد الكبار في العمل، كما انهم مصدر تأمين لرعاية الآباء عندما يتقدمون في العمر، فضلا عن انهم يحافظون على وحدة العائلة. ومازال المولود الذكر في بعض المجتمعات اهم كثيرا من المولود الانثى. اما سكان الريف الذين لا يستطيعون اعالة انفسهم، فاما ان يهاجروا الى احياء المدينة الفقيرة القذرة، او يموتوا من الجوع حيث يوجدون». (ص140).
صحيح ان حبوب منع الحمل بأنواعها متاحة في كثير من الدول الفقيرة، «لكن تأثيرها في خفض الزيادة السكانية مازال مخيبا للآمال».
حتى الصين التي جربت سياسة الطفل الواحد، وهددت المتجاوزين بعقوبات صارمة لم تنجح آنذاك الا نجاحا جزئيا، وقد ينهار الحد من نمو السكان بشكل كامل بعد انفتاح البلاد.
يقال ان الاجواء العليا حول الكرة الارضية ملوثة اليوم بسبب الطائرات واتساع النقل الجوي. والبحار تنضب تدريجيا من السمك، والحيوانات تنقرض، بسبب الصيد الجائر واختفاء الغابات.
صحيح ان المجاعات لم تصل بعد الى المدن وبخاصة مدن الامم الغنية. ولكن معظم مدن الغرب الكبرى تعاني من البطالة، والكثيرون هناك يتجهون الى الجريمة لتحسين دخلهم. ومن المنتظر، يقول الجراح الانجليزي المفكر، «ان تشهد كل من الامم الغنية والفقيرة، براكين اجتماعية سوف تنفجر هنا وهناك، مادامت الفجوة واسعة بين الجماهير المعدمة والقلة الغنية. وربما تبدو اليابان وسويسرا وسنغافورة آمنة بعض الشيء، غير ان معظم الامم الاخرى تضم مواطنين متذمرين محرومين، يقلل من انفجارهم الوشيك وصولهم الى حد المجاعة، او ادمان المخدرات، او منافسة المهاجرين الجدد لهم» (ص139).
هل هناك تفكير اجتماعي او اقتصادي خلاق بخصوص المشكلة السكانية؟ لا اعتقد اننا ابتعدنا حتى الآن كثيرا عن الزعم بان سياسة الحد من السكان مجرد مؤامرة ضد العالم الثالث، او خطة صليبية لتقليص عدد المسلمين كي تسهل الهيمنة عليهم.
ولكن سكان اوروبا في تقلص، بما في ذلك ايطاليا الشهيرة بالتكاثر. فيما يتضاعف عدد المسلمين في بلدانهم.. وفي اوروبا!
الاحياء الفقيرة والشعبية والمعدومة كذلك في تزايد. ويقول خبراء عن العشوائيات في مصر «ان صور الاقمار الصناعية تظهر نمو الاحياء غير المرخصة في بعض المناطق بمعدلات تصل الى اضعاف عدة، ويسكن في تلك الاحياء غير المرخصة الواسعة وذات الكثافة السكانية العالية، اكثر من نصف سكان القاهرة الذين يقدر عددهم ما بين 18 مليونا الى 20 مليون نسمة». (القبس، 2013/11/30).
تحويلات المصريين من دول الخليج وغيرها تزيد عدد العشوائيات وترسخ هذه «الفوضى الخلاقة» الماضية بكل عزم في محاولة حل المشكلة السكانية. وتنقل الصحيفة عن «ديفيد سيمز» الخبير في الاقتصاد والتخطيط الحضري الذي درس التطور العمراني للقاهرة، ان الرشاوى قبل الثورة كانت تزيد تكلفة البناء بنحو 1500 دولار، ويقول ان الزيادة غير المسبوقة التي بلغت %40 في تحويلات المصريين العاملين في الخارج العام الماضي، 2012، والتي بلغت 19 مليار دولار، مؤشر على ان مزيدا من الاموال ترسل الى الوطن لتمويل البناء المخالف وغير المرخص».
الكثيرون يكرهون احاديث المستقبل المتشائمة وما يقال عن مخاطر البيئة وكثرة السكان. بل ان «توماس مالتوس»، اول من حذر من مخاطر كثرة البشر وقلة الطعام، تعرض للهجوم اكثر من اي مفكر في هذا المجال. ولم يتحدث مالتوس فيما اعتقد عن مشكلة قلة مياه الشرب او دمار البيئة، اما علماء الفلك فيبدون اليوم اكثر تشاؤماً حول مصير الكرة الارضية، ويقولون ان بعد ملايين السنين، سوف يؤدي تمدد الشمس وشدة حرارتها الى احتراق الكواكب واندماج النظام الشمسي، حيث تختفي في جوفها الارض، وتختفي الى الابد بعد ملايين السنين!
خليل علي حيدر