مصر بين المحاكمات الملكية والجمهورية
حرائق العواصم والمدن الكبرى تعتبر قضايا كبرى في تاريخ البشرية، وهي نادرة ولا تحدث إلا مرة واحدة كل عدة قرون، ومن ذلك حرق المعتوه نيرون لروما عام 68 بعد الميلاد وحريق لندن عام 1666، وحرق جند عرابي ومدافع القائد البريطاني سيمور لمدينة الاسكندرية عام 1882، وأخيرا حرق القاهرة إبان العهد الملكي في 26/1/1952 والذي أدى في النهاية الى انقلاب الجيش صيف 1952، كما ذكر عبدالناصر في إحدى خطبه اللاحقة.
***
وقد شكلت في فبراير 1952 إبان العهد الملكي محكمة «عسكرية» لمحاكمة المتهمين بحرق القاهرة وهم زعيم حزب مصر الفتاة الفاشي أحمد حسين وخمسة من رفقائه بعد أن تقدم بالشكوى والشهادة ضدهم العشرات من أصحاب المحلات، وقد تكونت المحكمة العسكرية من ثلاثة قضاة مدنيين واثنين من العسكريين الحقوقيين، ووفرت جميع الضمانات للمتهمين حتى أن المتهم الرئيسي أحمد حسين قام بمقاطعتها وعدم حضور جلساتها وطالب برد وعزل رئيسها المستشار المدني حسين خليل طنطاوي بحجة أنه قارب الستين وهو سن التقاعد ويمكن للحكومة أن تؤثر على قراراته عبر مد سن خدمته إلى 65، فتم عزله.
***
بالمقابل تظاهر عمال كفر الدوار في أوائل أغسطس 1952 فتم القبض على المئات منهم وبينهم أطفال لا يتعدون العاشرة من عمرهم ورأى محمد نجيب ووزير داخليته عبدالناصر وبتحريض ودعم ومؤازرة سيد قطب عبر سلسلة مقالات نشرها في الأخبار وروز اليوسف ومجلة الإذاعة ضرورة إظهار القوة والبطش، فشكلت محكمة عسكرية مكونة من الضباط أصدرت أحكام سجن وإعدام مستعجلة على الشابين خميس وبقري بعد أن أوكل للصحافي موسى صبري مهمة الدفاع عنهم فتسابق هو ورئيس المحكمة عبدالمنعم الأمين في كيل التهم لهم ونفذ حكم الإعدام بعد أيام قليلة من صدوره وأطلق بالمقابل سراح أحمد حسين وجماعته كي يمكن للنظام الجديد ان يتهم الملك وحزب الوفد بالمسؤولية عن الحريق المروع وضحاياه العديدين، فانتهى الأمر بذهاب ذلك الحريق دون فاعل وكرت سبحة المحاكمات العسكرية الهزلية التي لا ضمانات للمتهمين فيها (محكمتا الثورة 53 والشعب 54) والتي يصبح القاضي هو الخصم والحكم وقد قلدهم المهداوي في محاكماته الشهيرة عام 1959 في بغداد.
***
ولو دفع الإخوان الملايين لما حظوا بتعاطف ودعم كالذي توفره لهم أحكام إعدام المئات هذه الأيام في مصر، نعم من قتل رجال الجيش أو الأمن أو المواطنين يستحق الإعدام السريع ان ثبتت التهمة عليه، الآن الأمر يجب ألا يعمم، فالمتظاهر والمتواجد في مكان الجريمة يستحق أحكاما متفاوتة بالسجن لا الإعدام قطعا.
***
آخر محطة: 1 – أكثر الفرحين والمستفيدين من أحكام تعميم الإعدام هم مرتكبو جرائم القتل الشنيعة حيث يأملون أن تختفي جرائمهم وسط تلك الأحكام.
2 – نرجو أن يكون أول قرار للرئيس السيسي هو تخفيف أحكام الإعدام على من لم تتلطخ يده بالدماء.
@salnesf