ادرسوا شعبكم!
لا أشك لحظة, بأن هناك من يتسلى بالشعب الكويتي, ويتعمد استصغاره, ويراهن على طيبته وقلة حيلته, وبأنه لا يمتلك سوى الـ “هبهبة” بالكلام. والمصيبة أن ثلاثة أرباع كتاب الرأي والمقالات, تم تصنيفهم, واحتسابهم على جهات وشخصيات وتوجهات معينة, لذلك, فإن أي تحذيرات تصدر منهم, وأي كتابات تنويرية تخدم السلطة, لا يؤخذ بها, لاعتقادها أنها كتابات موجهة, تخضع لحسابات سياسية, الغرض منها خدمة فلان, أو ضرب علان. وفي المقابل, فإن الجهات التابعة للدولة أو المدعومة منها, والتي يفترض فيها الحيادية, وأن تكون محل ثقة السلطة, فإنها سلبية بالمطلق, ولا تؤدي دورها إلا فيما ندر وفي أضيق الحدود, ونقصد بهذا, جامعة الكويت, وإدارات الدراسات والبحوث في وزارة الداخلية, ووزارة “الشؤون” وغيرها من الوزارات, وبعض جمعيات النفع العام.
هناك تغيرات جذرية طرأت على الشعب الكويتي, لم نجد من يسلط الضوء عليها, أو يتعامل معها بشكل جاد, والغريب أنه يتم التعامل معها كتصرفات فردية, بينما هي في حقيقتها تمثل ظاهرة خطيرة أخذت تنتشر في ثنايا المجتمع. فالسلوك العدواني, والتعامل العنيف, والتصرف بحدة وصلف, صار هو السمة الغالبة على مجتمعنا الذي كان معروفا بالوداعة والمسالمة وروح التسامح – التي انتهت إلى غير رجعة – وحل الشر محلها. وفي الشارع, يكاد يكون كل مواطن يجول بسيارته, عبارة عن مشروع خناقة حامية قد تقود إلى ارتكاب جريمة. الكل – تقريبا – لديه استعداد للدخول في معركة مميتة بسبب نظرة عفوية عابرة غير مقصودة!
يا الله… ماذا حل بشعبنا حتى يصل إلى هذه المرحلة المتقدمة من “الخنقة” وضيق الصدر. انظروا إلى ما يفعله الشباب أثناء قيادتهم سياراتهم في الشارع, وراقبوا استعدادهم لارتكاب حادث يتسبب بانقلاب سيارة أخرى – قد يموت قائدها ومن فيها – فقط لأن السائق تأخر ثوان قليلة في إفساح الطريق لهم! هذا السلوك العدواني الجديد لم يألفه المجتمع من قبل. وفي تحقيق صحافي نشرته “السياسة” قبل أيام, كشف عن ارتفاع معدل الجريمة في الكويت بنسبة 25 في المئة, وهو مؤشر خطير, ورقم مخيف, لا يمكن التهوين منه بحجة ارتفاع عدد السكان. فانقلاب مزاج المواطن بمثل هذه الحدة, له علاقة مباشرة بغياب العدالة والمساواة بين المواطنين, وليس بسبب قلة الوازع الديني كما يروج لذلك بعض الطيبين.
المجتمع الكويتي يشهد حالة يأس عامة, وليس ارتفاع حالات عنف الطلبة بنسبة 11 في المئة, وضرب الأزواج بنسبة 40 في المئة, واعتداءات المجمعات بنسبة 20 في المئة, وجرائم الخدم بنسبة 15 في المئة, والأخيرة, قد لا يكون سببها الخدم أنفسهم, وإنما بسبب التعامل العنيف معهم. أقول, ليس هذا وحده هو ما يدلل على تحول المزاج العام للمواطن الكويتي ووصوله إلى حافة اليأس, بل هناك ملامح أخرى يكشفها تعمده اختيار أسوأ الناس لتمثيله في البرلمان, وهذا يمكن فهمه كرسالة من المواطنين إلى السلطة تدل على يأسهم من الإصلاح وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين, لذلك هم لا يعبأون بمصيرهم, ولا بمستقبلهم, ولا بنزاهة وأمانة من يتولى شؤون التشريع والرقابة.
بعد أيام سنخوض في هذا الموضوع من جديد, لنبين أن كل هذا التحول التدريجي السلبي في سلوكيات المواطنين, ينبئ ويمهد لأمر جلل… بينما السلطة غارقة في العسل!
صالح الغنام*
salehpen@hotmail.com