مقالات

سعد الكويت!

اختلفت الآراء حول أسباب مشاعر الحب الجارف الذي يكنه الكويتيون بأسرهم, للأمير الوالد, الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح – طيب الله ثراه – فمنهم من أحبه لمواقف مشهودة خبرها عنه, ومنهم من أحبه بالفطرة لأنه نجل الراحل الكبير, الشيخ عبدالله السالم, ومنهم من أحبه لهيبته وحزمه, وآخرون لطيبته ومروءته… وهكذا, تعددت الأسباب وتفرقت, ولكنها اجتمعت على حب رجل عظيم, قل أن يجود الزمان بمن هو في مثل مكانته وقامته وعظمته ووطنيته وعطائه.

يوم أمس, صادف مرور الذكرى السادسة لرحيل أمير الكويت الرابع عشر, الشيخ سعد العبدالله. وقد كانت ذكرى وفاته – على ما فيها من مرارة وحزن – خير فرصة لاستذكار عشرات ومئات المواقف البطولية التي زخرت فيها سيرة ومسيرة ذلك الرجل الفذ الشجاع. ولأنني لست بوارد تكرار ما سطره الكثيرون من مواقف وذكريات وملاحم كان بطلها سمو الأمير الوالد – رحمه الله – إلا أنه لا يمكن لي أن أغفل تفاصيل قصة اطلعت عليها شخصيا, وقد يكون فيها تفسير لسر حبي التلقائي والعفوي للشيخ سعد العبدالله.

ففي مطلع ثمانينات القرن الماضي, قام أحد البنوك الإسلامية بعملية شراء واسعة لمعظم الأراضي الفضاء المخصصة للسكن الأهلي, فاحتكر في فترة وجيزة سوق العقار برمته, وضاعف أسعار الأراضي إلى ثلاثة أضعاف وأكثر, ولم يعد بمقدور أي مواطن – حتى وإن كان ميسور الحال – شراء أي أرض إلا عن طريق هذا البنك, وبنظام التقسيط. وكي يحكم البنك سيطرته, أبرم عقودا مع غالبية شركات المواد الإنشائية, فصار المواطن يشتري الأرض ويبنيها من خلال هذا المصرف بأقساط خيالية. وشيئا فشيئا, لم يعد أرباب الأسر قادرين على تسديد الأقساط الشهرية الفاحشة, وخصوصا أن في تلك الفترة كانت الرواتب متدنية جدا.

ولأن البنك إسلامي بالاسم, فقد تسلط على المواطنين, وسجل في حق المتعثرين – ولو لمدة شهرين أو ثلاثة – قضايا تهدد بطردهم من بيوتهم وبيعها في المزاد, وطبعا لن يكون الشاري سوى المصرف نفسه. وفي حال رق قلب المسؤول في المصرف لدموع أرباب الأسر وكانوا في تلك الحقبة معظمهم من “الشيبان” المتقاعدين, فكان يجدول لهم مديونياتهم بفوائد فاحشة يُحرج لهولها يهود بني قريظة.

ولما زاد الأمر عن حده وتعالت أصوات المقهورين من جور ذلك المصرف, ظهر الشيخ سعد العبدالله, على شاشة التلفزيون, وكنا في شهر رمضان المبارك, ولا أذكر تحديدا إن كان ظهوره في اجتماع مع رؤساء تحرير الصحف أو مع غيرهم من المسؤولين. فبدا, – رحمه الله – متضايقا وممتعضا, فضرب بيده على الطاولة بشدة وهو يقول ما معناه: “لا أحد يخرج الكويتيين من بيوتهم… الكويتي ما يطلع من بيته”… من يومها, توقف ذلك البنك فورا عن تهديده بطرد المواطنين من بيوتهم وإلقائهم في الشارع.

بقي أن أقول, إن الراحل العظيم, لم يراع ملاك المصرف وكلهم من الأسماء الرنانة والأوزان الثقيلة, ولم يحفل بتضرر مصالح حلفائه “الإخوان المسلمين”, وقد كانوا هم المسيطرون على المصرف وإدارته وأمواله. ففي ميزان سموه, كفة الشعب الكويتي أثقل وأهم من أي كفة أخرى… رحمك الله أيها الرجل النادر العظيم, وأسكنك فسيح جناته.

صالح الغنام

salehpen@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.