لماذا الحرية.. بعيدة المنال؟!
هل صحيح «ان الإنسان يولد حراً»؟ ألا يظهر الوحد منا الى الوجود مكبلا بقيود بدنية واجتماعية ومادية ونفسية وغيرها، يبقى في اسارها اغلب الوقت؟ وهل صحيح كما نسمع عادة بأن «لا سلطان لاحد عليه»؟ ألا يكذب واقع الحياة هذا الزعم في احيان كثيرة؟
هل الحرية تؤخذ ام تُعطى؟ وهل تُهدى ام تنتزع؟ وهل المرور بالعنف والصراع مسار دائم لنيلها؟ ام ان هذا يصدق فحسب بوجود حاجز مانع، او سلطان قامع، يعرقل الوصول اليها؟ ثم هل نيل الحرية يعني دائما استحقاق الحصول عليها؟ ألا يكون الوصول الى القمة احيانا سهلا والبقاء فوقها هو التحدي الحقيقي؟ ألا تنقل ضربة حظ احدهم الى دنيا الشهرة والعالمية بين ليلة وضحاها، ولكن سرعان ما يخبو نجمه وتبرز نقاط ضعفه؟
نيل اي دولة او امة لحريتها واستقلالها قد يكون سهلا للغاية. فبعد الحرب العالمية الثانية بسنوات مثلا، بدت اوروبا الغربية وبخاصة قواها الاستعمارية منهكة متعبة. وفي ستينيات القرن العشرين نالت دول كثيرة استقلالها وظهرت دول وقيادات وطنية لا تحصى. وسواء أُعطيت الحرية لهذه الدول او انتزعتها انتزاعا، الا ان الكثير من الدول العربية والافريقية والآسيوية والامريكية الجنوبية لم تبرهن انها بحجم هذه المسؤولية! وراحت تتخبط في سياساتها، وتجرب مختلف المدارس الاقتصادية، وتختلف الايديولوجيات والعقائد، وتتلاعب بعواطف الجمهور يمنة ويسرة من اجل استمرار السلطة وملء فراغ الحرية.
وحتى تلك التي حاربت بشراسة وناضلت بعناد مثل فيتنام، انتهت بعد نيل حرية الخلاص من «النفوذ الامريكي»، الى وضع فقير بائس بين الدول الآسيوية التي لم تحارب بكل هذه الشراسة.. «لانتزاع حريتها». واين اليوم فيتنام عن كوريا الجنوبية مثلا او حتى ماليزيا وسنغافورة وتايوان؟
ولا يعني هذا بالطبع ان كل الدول التي بقيت مرتبطة او موالية للغرب، حققت ما حققته كوريا وسنغافورة من قفزات. فالعديد منها بقي على فقره وتخلفه وتخبطه، فلا كان في الجهاد ولا كان في الحصاد!
لقد حاربت ليبيا من اجل حريتها ضد الاستعمار الايطالي، ولكن ما تبين لنا ان بعض من في الجيش الليبي آنذاك، لم يكن اقل خطورة على حرية الناس ومستقبل البلاد، كما هو الامر اليوم مع بعض المسلحين المتمردين، فمن كان يحسب حساب وحش كالقذافي وزمرته وسنوات حكمه الاربعين؟
واختارت الجزائر الثورة والمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي للوصول الى حرية الارادة والحفاظ على الهوية. ولكن الجزائريين لم يعرفوا على الاطلاق طعم الحرية منذ الاستقلال حتى اليوم. وها هم يتظاهرون مترجِّين الرئيس «بوتفليقة» ان يحكم لدورة رابعة وربما خامسة.. الى ان يأخذ الخالق امانته!
وقد حاربت شعوب شمال افريقيا الفرنسيين طوال عقود، ولكنها سرعان ما اكتشفت ان الحرية التي «انتزعتها».. ليست كل شيء.
ولقد اعطيت المرأة الكويتية الحقوق السياسية وحق الانتخاب، فسارعت الى انتخاب من بذلوا سنوات عمرهم وزهرة شبابهم في مكافحة نيلها هذه الحرية! ودرست الفتاة الجامعية مختلف التيارات وعرفت افكارها، وحرصت على انجاح القوائم الطلابية الدينية!
وتعطي الامكانيات الدستورية والمالية والتعليمية والاجتماعية الشاب الكويتي فرص الترقي والتحرر الفكري والسياسي والانطلاق ولكنه يبقى اسير اقفاص اجتماعية وفكرية.. يمتلك مفاتيحها.
شطر «مهم» من مشكلة التعامل مع الحرية في العالم العربي يعود الى طبيعة التعليم والمناهج وعقول المدرسين وضغوط الاداريين والتقاليد. التعليم في العالم العربي مصمم لادامة الاوضاع لا اصلاح الحال، ولخدمة «المتجاوبين» لا الترحيب بـ«المتسائلين»، ولنشر «محو الامية»، مع التعرض لاقل قدر او كمية.. من مخاطر الوعي والعقلانية!
وشطر ثان من المشكلة يعود الى الثقافة الاجتماعية والتقاليد والمخاطر السياسية. فالكثير من الامثال الشعبية العربية تحارب بقوة المبادرة الفردية والبروز الى الميدان وحيدا. ومن يبرز فيجتز رأسه، لا يجد الا بشق النفس من يحمل بدلا منه الراية.. او يتابع المسيرة!
وشطر ثالث يعود في العالم العربي الى الفقر والامية وغيرها. فمما يجمع عليه علماء الاجتماع والسياسة ان الجماهير الامية الفقيرة لا تعطي اهمية كبرى للحرية ولا تحسن التعامل معها. وحتى ان ثارت، فسرعان ما تقم النخب المنظمة المسيسة باختطاف الثورة منها، كما فعل الاسلاميون مع «الربيع العربي».
فقد بدأ هذه الثورات والانتفاضات شباب ضاقوا ذرعا بحياتهم واوضاعهم، ونادى آخرون منهم بصراحة وبأعلى اصواتهم «عايزين نعيش مثل الناس في اوروبا»، وكانت هذه من نوادر المظاهرات العربية، التي لا يصب فيها المتظاهرون جام غضبهم على الاستعمار والغرب. ولكن سرعان ما انتصرت الحيلة على الحاجة، وتم الالتفاف على الكثير من مطالب الشباب.
هل نبحث حقاً عن الحرية؟
خليل علي حيدر
(الوطن)