ماذا لو تبخر النفط؟!
كسائر الدول، نقيس نمو اقتصادنا الوطني ونتابعه عن قرب عاماً بعد عام، ونرصد مساهمة كل قطاع اقتصادي للناتج المحلي الإجمالي. وليس في رصد الاقتصاد الوطني ما يدعو للاستغراب، لكن السؤال هل نقيس تقدم التنمية وتأخرها بذات القرب والالتصاق؟ فنحن نصنف باعتبارنا دولة نامية، كما أننا نحتفي بذلك فنطلق خططا سنوية متتابعة، وها نحن على وشك توديع الخطة التاسعة واستقبال العاشرة، فهل بوسعنا معرفة إن كانت وتائر التنمية تحركت حسب الخطط وما هو مستهدف أو أسرع من ذلك أو أبطأ؟ وتحديداً، هل نتوقع أن تصدر جردة حساب عن حصيلة ما أنجزته الخطة الخمسية التاسعة للتنمية؟ كأن تعدّ وزارة الاقتصاد والتخطيط تقريراً تقييمياً وتعقد حوله مؤتمراً أو ورش عمل للتعرف عما أنجزناه وما لم ننجزه في السنوات الخمس المنقضية؟ وقد يقول قائل: إن تقريراً يصدر، نعم لكنه يأخذ وقتاً طويلاً لكي يعدّ ولا ينشر ولا تعقد حوله نقاشات ممنهجة.
علينا إدراك أننا خطونا خطوات نحو المزيد من الشفافية، فمثلاً قبل سنوات لم يك تقرير مشاورات المادة الرابعة الصادر عن صندوق النقد الدولي المتصلة بالاقتصاد السعودي تنشر، لكننا شهدنا مؤخراً انها نشرت من قبل الجهات الرسمية هنا، وفي هذا العام يعقد لقاء لتلتقي بعثة الصندوق بمجموعة من المهتمين على هامش تلك المشاورات. وهكذا، فإن ما كان يمارس لتقييم أداء الخطط الخمسية السابقة لا يجب أن يتبع بالضرورة أسلوباً ومنهجاً.
وكم كنت أتمنى أن تطرح مسودة وثيقة الخطة الخمسية العاشرة لتلقي مرئيات العموم، فالحكمة ضالة المؤمن، والجميع معني بالتنمية، وهي فرصة للتعريف بتوجهات التنمية وأولوياتها من جهة، ودعوة للمهتمين بإبداء ارائهم، وسيكون دور الجهة الرسمية المعنية غربلة تلك المرئيات والاستفادة منها لتنقيح مسودة الخطة، وسيكون بوسعها بعد ذلك القول إن الخطة لم توضع خلف أبواب موصدة.
نمو اقتصادي أم تنمية مستدامة؟ الخيار ليس صعباً، فالتنمية هي التي ستمكن اقتصادنا من امتلاك الشرائط ليصبح منوعا ومن ثمة قادراً على الانفكاك من متلازمة النضوب لكن لما كل هذا الاحتفاء بالخطط التنموية؟ وهل هو اهتمام في محله؟ ألا يكفي أن إيرادات النفط فوق المائة دولار لطمأنتنا جميعاً ولاختصار الجدل؟ ثم ماذا إذا تعثرت أو تأخرت بضعة مشاريع، ولما الافتراض أن ذلك سيؤذي التنمية ويعرقلها، ما دام الاقتصاد ينمو حتى بمعدلات أعلى من متوسط منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ ثمة فرق كبير بين التنمية والنمو، ففي حال الدول النامية الارتقاء المستمر بالتنمية وتعزيزها أمر حرج اﻷهمية، فقد يحقق اﻻقتصاد نموا إيجابيا ولكن على حساب التنمية إجماﻻً، والتنمية المستدامة تحديدا. ففي الدول التي يعتمد اقتصادها على بيع الموارد الطبيعية، فلا بد من التعامل مع ريعها لتمويل التنمية دون تعسف، بهدف إيجاد بدائل تنتج عن تنويع اﻻقتصاد.
وهناك من ينظر للايرادات الريعية وكأنها إيرادات انتاجية، وهذا أمر يجافي الحقيقة. فالموارد الطبيعية المستخرجة هي محدودة باعتبار أنها آيلة للنضوب، وريعها هو تسييل ﻷصل وليس ثمرة تجنى من اﻷصل، فثمة بون شاسع وفارق كبير بين جني ثمار شجرة وبين قطع الشجرة وبيعها حطبا!
وهكذا، فيجب أن تكون اﻷولويات واضحة: التنمية المتوازنة المستدامة أوﻻً وقبل أي شيء؛ فهي التي ستمكن اقتصادنا من امتلاك الشرائط ليصبح منوعا بالخروج من متلازمة النضوب إلى أفق التجدد واﻻستدامة. بمعنى، أن التنمية تقود إلى نمو، أما العكس فليس صحيحا بالضرورة. ويمكن اﻻضافة، أن تقديم التنمية واﻻصرار عليها يؤدي ﻻستقرار اجتماعي ونمو اقتصادي في المدى المتوسط والطويل، أما اﻻصرار على تقديم النمو ومنحه اﻷولوية فإنه يركز على تنامي القيمة المضافة في المدى القصير (سنة) وربما المتوسط (خمس سنوات) دون وضع التحصينات الضرورية والتحوطات اللازمة لتفادي التضحية بالتنمية من أجل تحقيق نمو. وهنا يجب تفادي الخلط بين السياسات المتبعة في الدول المتقدمة والدول النامية؛ فالأخيرة اكتسبت اسمها من كونها تنمو من تنمي (development) وليس من نم) (growth). فالدول المتقدمة حققت التنمية واستقرت ولذا نجد انها مهووسة بتحقيق نمو متصاعد عاما بعد عام، وكثيرا ﻻ تحقق ذلك رغم كل ما تبذله ولنأخذ اليابان كمثل، أما الدول النامية فيجب أن يكون شغلها الشاغل تواصل خطى التنمية وتنامي محركاتها وانتشارها جغرافيا وقطاعيا، وتوفيرها لمرتكزات متينة ﻻقتصاد متنوع مستقر النمو. وهذا يمثل تحديا ضخما، فهو يعني: تنمية مستدامة للموارد، ومتوازنة تشمل المجتمع برمته والجغرافيا القطرية باتساعها، وتحقق التنمية البشرية صحيا وتعليميا واجتماعيا واقتصاديا.
د. إحسان بوحليقة