«كورونا» والمؤامرة
ما بين الرجل العربي والإبل علاقة قديمة تعود تفاصيلها لمئات السنين، ولم تستطع “الحضارة” التي نعم بها “العربي” خلال قرن مضى من وأد تلك العلاقة أو الحد منها، بل إن ملاكها ورغم “رفاهية الحياة” أصبح شغفهم بامتلاك مزيد منها يزداد يوما بعد يوم.
تربية الإبل تتطلب مهارة وخبرة عالية، ولا يمكن لأي شخص أن يتعامل معها بسهولة، فهي ــ أي الإبل ــ لا تتقبل الأشخاص الغرباء، وتملك قدرة عالية على تمييز صوت مالكها عن أصوات الآخرين، وهذا الأمر لا شك نتيجة حب واحترام متبادل، فصاحب الإبل لا يستطيع أن ينام قرير العين وإبله جائعة، ولا يمكن أن يغمض له جفن قبل أن يُشبعها، بل إنه يفضل أن ينام وهو “جائع” وهي ببطون ممتلئة.
تلك العلاقة الحميمة بين الإبل وملاكها ربما تفسر لنا تلك الصدمة العنيفة التي تلقاها أخيرا ملاك الإبل، بعد أن أكدت الدراسات الحديثة علاقة الإبل بفيروس “كورونا” الذي نشر الرعب بين أوساط السعوديين.
بثت مواقع التواصل الاجتماعي عددا من المقاطع المصورة لملاك إبل يعترضون ويسخرون من ربط الفيروس بالإبل، بل إن بعضهم تحدى كل التحذيرات ولم يكتف بتناول حليبها ولحمها، بل زاد وقبل أنوفها ساخرا من الدراسات، عندما قال في المقطع “أجل يقولون كورونا”.
ولأن عقدة “المؤامرة” متأصلة في النفس “العربية”، فقد ألمح البعض من ملاك الإبل إلى أن ربط “كورونا” بالإبل، ما هي إلا حرب “سافرة” من تجار المواشي الأخرى، بل إن بعضهم أدخل “تجار الدجاج” في تلك الحرب غير النزيهة، وزاد آخرون في “الغلو” وأدخلوا أطرافا من خارج السعودية في تلك الحرب التي تشن عليهم وعلى إبلهم عندما أدرجوا تجار “البقر” في هولندا في قائمة الأعداء، ويأتي هذا “الإدراج” الأخير بسبب بسيط وهو أن أولى الدراسات التي كشفت عن العلاقة بين الإبل والفيروس القاتل صدرت من علماء هولنديين.
عقدة المؤامرة خصلة “عربية” متأصلة في غالبية العرب، وهي “نشطة” في البعض و”خاملة” لدى البعض الآخر، ومن هنا دخل في تحليل مرض “كورونا” آخرون لا ناقة لهم ولا عنز ولا بقرة ولا دجاجة في الحرب، فهم مؤمنين تماما بأن أي شخص كائنا من كان سيتمكن من اكتشاف دواء المرض يجب التحقيق معه بتهمة نشره، فكما يقولون “كورونا ما هو إلا فيروس انتشر بفعل فاعل يريد أن يبيع دواءه ويتلقى الملايين لينتقل من عالم الفقراء إلى عالم الأغنياء”.
سطام الثقيل