موسم الحج إلى واشنطن..!!
هكذا لم يمر سوى عدة أشهر حتى تحقق ما كتبته في ديسمبر الماضي وفي نفس المكان عندما وصفت العلاقات المصرية الأمريكية بأنها علاقة زواج كاثوليكي لا تقبل الطلاق وأن واشنطن في نهاية الأمر ستقبل بالأمر الواقع في مصر اعتماداً على مصالحها الاستراتيجية المشتركة والقبول بأي نظام دون أي التزام بالمبادئ العامة التي حكمت النظام السياسي الأميركي مثل الحرص على الديمقراطية أو الحفاظ على الحريات العامة طالما تستطيع من خلاله الحفاظ على تلك المصالح، ويبدو هذا الأسبوع كما لو كان موسم الهجرة إلى واشنطن والتي زارها اثنان من كبار المسؤولين في الإدارة المصرية مدير المخابرات العامة مراد التهامي ووزير الخارجية نبيل فهمي في أول زيارات على هذا المستوى منذ ٣ يوليو، بالإضافة إلى الموافقة على تسليم مصر عدداً من طائرات الأباتشي والتي كانت واشنطن قد أوقفتها لمصر في الفترة الماضية بعد أن اقتصرت الاتصالات بين الطرفين فقط على زيارات جون كيري وزير الخارجية لمصر بالإضافة إلى استمرار زيارات أعضاء من الكونجرس ناهيك عن الاتصالات المستمرة بشكل أسبوعي بين وزيري الدفاع تشل هاجل وعبدالفتاح السيسي ومن بعده الفريق أول صدقي صبحي والتي تم استئنافها بعد توليه المنصب مجدداً.
ولعل من المهم والحالة هكذا أن يتم وللأبد وقف الترويج لمجموعة من الأوهام والأكاذيب والتي تم استخدامها في المعركة السياسية بين نظام ما بعد ٣٠ يونيو والتحالف من أجل دعم الشرعية من نوعية أن واشنطن تسعى إلى تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير والسعي إلى تقسيم المنطقة وأن ما قام به الفريق أول عبدالفتاح السيسي في ٣ يوليو أجهض ذلك المخطط وخلق منه بطلاً قومياً استطاع أن يقهر واشنطن ويقضي على تحالفها مع الإخوان، وكذلك قدرة السيسي على إعادة التوازن الاستراتيجي في المنطقة بعد فتح جسور التعاون والاتصالات مع موسكو وتم تسوير الأمر كما لو كنا أمام عبدالناصر جديد، ومن تلك الأكاذيب أيضاً والتي نجحت الآلة الإعلامية في الترويج لها والتعامل معها على أنها حقائق ما يتردد عن دعم واشنطن لحكم الإخوان وأنهم من ساعدوهم للوصول إلى حكم مصر دون أي اعتبار للناخب المصري وإرادته، بالإضافة إلى تمسك واشنطن بعودة الدكتور محمد مرسي دون أن يكون هناك تصريح واحد من أي مسؤول تحت أي مستوى يمكن رصده في هذا المجال، والغريب أن أحداً لم ينتبه إلى أن الإدارة الأميركية لم تلتق مع الدكتور محمد مرسي أثناء وجوده في نيويورك لحضور اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر ٢٠١٢ رغم مشاركة أوباما في أعمال الجمعية العامة.
ولعل السؤال المثار حول من الذي تغير هل الإدارة الأميركية أم النظام المصري الإجابة أنه أيا من الطرفين لم يتغيرا ولكن المواقف تقاربت بعد خلاف ظاهري، فواشنطن لم تتعامل منذ البداية في ٣ يوليو على أن ما حدث في مصر انقلاب رغم التصريحات الشهيرة لجون ماكين الذي لا يتم حسابه على الإدارة وتركت الأمور على حالها تتسم بالغموض الذي أتاح لها إجادة لعبة توزيع الأدوار بين دوائر صنع القرار سواء في البيت الأبيض الذي كان أميل للتعامل مع الأحداث عائلة أنها انقلاب والخارجية التي تزعم وزيرها جون كيري اتجاه التعامل مع الأمر على أنه رغبة شعبية دعمها الجيش، ولا تمثل بأي صورة انقلاباً بل إن الوزير حمل الإخوان المسلمين مسؤولية كل ما حدث في مصر واتهمهم صراحة بأنهم من سرقوا ثورة الشباب منذ ٢٥ يناير والضلع الثالث وزارة الدفاع التي استمرت إحدى قنوات التواصل المهمة مع الحكام الجدد في مصر أو حتى الكونجرس وأتاح هذا الموقف المتذبذب والذي يتسم بالغموض ترك الباب موارباً لأي تطورات جديدة تطرأ على العلاقات، وتم وضع النظام الجديد تحت الاختبار في ثلاث قضايا رئيسة تشكل أولويات لدى الإدارة مدى حرص الحكام الجدد على استمرار العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن والقضية الثانية تتعلق بمدى التزام مصر باتفاقية السلام مع إسرائيل ودعم العلاقات الثنائية والقضية الثالثة هو المسار الديمقراطي ومدى التزام النظام الجديد به وقد نجحت مصر بامتياز في القضيتين الأولى والثانية، فكانت فترة الأشهر السابقة هي الأهم في العلاقات بين القاهرة وكل من واشنطن وتل أبيب، ولم تستخدم القاهرة أياً من أوراق للضغط على واشنطن من قبيل وقف التسهيلات العسكرية لأميركا والسماح بمرور طائراتها عبر الأجواء المصرية أو إنهاء أفضلية المرور للسفن الحربية الأميركية عبر قناة السويس، وكل من تل أبيب وواشنطن رغم الطنطنات الإعلامية والدعاية الساذجة التي قامت بها دوائر الإعلام المصري لتسويق فكرة عداء النظام المصري لأميركا واستبدالها بروسيا، أما القضية الثالثة فتحي جون كيري عراب النظام المصري في دوائر الإدارة لم يستطع سوى التأكيد على أنه لا يستطيع أن يشهد بأن مصر سوف تأخذ خطوات تدعم عملية التحول الديمقراطي وطالبها بإجراء انتخابات حرة وشفافة ورفع القيود على حرية الرأي والتعبير.
قد كشف الرئيس الفلسطيني محمود عباس أثناء جلسة له مع ممثلي النخبة المصرية منذ عدة أسابيع عن تفاصيل لقاء تم على هامش مباحثاته مع الرئيس أوباما ونقل عنه قوله: إنه سيتعامل المشير السيسي إذا تم انتخابه رئيساً لمصر من الشعب المصري، ومن جهة أخرى فقد نجحت القاهرة في استخدام نفس الفزاعة القديمة والتي برع في التعاطي معها الأنظمة العربية السابقة قبل ثورات الربيع بأنها تمثل حائط صد لواشنطن وآلية حماية لها من الإرهاب الدولي أجادها حسني مبارك وكرسها بن علي ونجح علي عبدالله صالح في التعاون الثنائي في المعركة ضد القاعدة ويستخدمها الآن حتى بشار الأسد مبرراً المذابح اللاإنسانية التي يتعرض لها شعبه وهي النغمة التي تلقى قبولاً كبيراً لدي الإدارة الأميركية المهووسة بالمخاوف منذ ١١ سبتمبر وما قبلها من الصراع ضد طالبان في أفغانستان، وجاء النظام الجديد في مصر ليعزف على نفس الوتر، وقد كان المشير السيسي واضحاً وصريحاً عندما التقى مع عدد من العسكريين السابقين وممثلي وسائل الإعلام الأميركيين عندما أشار إلى عدم استعداد واشنطن لمكافحة المتطرفين الإسلاميين في العالم العربي يهدد أمن أميركا ودعا إلى استمرار المساعدات الأميركية تلك التي طنطن الإعلام المصري بناء على توجيهات رسمية إمكانية الاستغناء عنها مشيراً إلى أنها وصلت إلى ٧٣ مليار دولار ما بين ١٩٨٤ وحتى ٢٠١٢ معتبراً أنها أمر مهم لدعم عمليات مكافحة الإرهاب في سيناء، ولعل هذا يفسر ما قالته واشنطن من أن الإفراج عن صفقة الطائرات العشر من طراز أباتشي مرتبط بالقدرات الكبيرة للطائرة في التعامل بالمناطق الجبلية ورصد وتعقب أي تحركات للمتطرفين في سيناء، مما يمثل فائدة كبيرة للقوات المسلحة المصرية التي تخوض عمليات ضد الجماعات الإرهابية.
والغريب هو حرص واشنطن على الاحتفاظ ببعض أوراق الضغط لحين استخدامها في وقتها، صحيح أنها في طريقها للإفراج عن جزء من المعونة الأميركية بحوالي ٦٥٠ مليون دولار ولكن الصحيح أيضاً أنها لم تسلم مصر عددا من طائرات أف ١٦ ودبابات أم ١ وصواريخ طراز هاربون، ولكن المؤشرات تؤكد أن مياه العلاقات المصرية الأميركية ستعود إلى مجاريها لأنها أصلاً لم تخرج منها أبداً في أي وقت بعد ٣٠ يونيو وكل ما جرى ذر للرماد في العيون أو عتاب أحبة حريصين على أمر قدر من الغرام حتى ولو كان في الحرام.
أسامة عجاج