مقالات

مسارات العنصرية “الإسرائيلية”

بدأت العنصرية الصهيونية في تل أبيب تتخذ مسارات جديدة مقلقة وخطيرة، نتيجة للإخفاقات المتعددة التي مُنيت بها محاولات المجموعة الدولية من أجل إيجاد حل عادل ونهائي للقضية الفلسطينية، وبخاصة في هذا الظرف الدولي والإقليمي الذي يتميز ببروز معادلات قوة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، تسمح لهذا الكيان العنصري بالمحافظة على الوضع القائم، والعمل من ثمة على تدعيم وترسيخ أركانه من دون أن يؤدي ذلك إلى تبعات سياسية أو قانونية . حيث تفيد تقارير المنظمات الحقوقية الدولية أن “إسرائيل” ضاعفت بشكل غير مسبوق من حملاتها القمعية ضد الشعب الفلسطيني، وشرعت أجهزتها الإجرامية في تطبيق خطط تهدف إلى وأد كل نشاط سياسي أو حقوقي في الضفة والقطاع وأراضي ما يسمى “الخط الأخضر”؛ ولم تعد ممارساتها القمعية تقتصر على الكبار، فقد بدأ الأطفال الفلسطينيون يتعرضون لممارسات غير إنسانية تتعارض مع المواثيق والأعراف الدولية . والجديد في كل ذلك هو أن الكيان الصهيوني، شرع في تكثيف حملاته القمعية بجرأة غير معهودة في ظل صمت مريب من طرف الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة .

وإذا كانت العنصرية في تعريفها العام والضيق، تعتبر أيديولوجيا إقصائية تدعو إلى عدم المساواة ما بين الأعراق، فإن العنصرية الصهيونية هي أكثر من مجرد إيديولوجيا كونها شديدة الالتصاق بالعقيدة الصهيونية، وهي فضلاً عن ذلك تتجاوز حدود عدم المساواة بين الأعراق إلى الحد الذي تنظر فيه إلى خصومها كمخلوقات لا تربطهم صلة بالجنس البشري . وعليه فإن العنصرية الصهيونية ليست بأي حال من الأحوال، عنصرية عادية تتعلق بأفراد يسعون إلى المبالغة في تقدير ذواتهم في مواجهة الآخرين، إنها عنصرية تاريخية متأصلة داخل اللاوعي الجمعي الصهيوني، وتجعل من شبه المستحيل أن يندمج الإنسان الصهيوني في مجتمع آخر غير مجتمعه الأصلي القائم على النظر إلى بقية البشر على أنهم ليسوا بأكثر من “بهائم” أو كما قال أحد حاخامات الصهيونية، “حيوانات تمشي على رجلين” . هكذا تتجاوز العنصرية الصهيونية الأمراض النفسية المرتبطة بالسلوك البشري والناجمة عن الصراع الطبيعي بين الطبقات والشعوب والأعراق المختلفة، لتعبر عن نفسها كعقيدة قبيحة مكتملة الأركان والزوايا، ومستعدة في السياق نفسه من أجل تطبيق أجنداتها، لتصل في نهاية المطاف إلى ممارسة أكثر الأعمال شراسة وبربرية .

لقد انبرت النخب الصهيونية مؤخراً، من أجل مواجهة تسريبات إعلامية يحذّر فيها جون كيري “إسرائيل” من التحوّل إلى نظام فصل عنصري، رغم أن ما قاله وزير الخارجية الأمريكي يمثل وصفاً في غاية اللباقة والتهذيب؛ فقد مارست الصهيونية في فلسطين ما لم يمارسه البيض قي جنوب إفريقيا . حيث إنه وفي مقابل منديلا الإفريقي هناك آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين صنعوا بمقاومتهم ملاحم ليست أقل قوة وصلابة من ملحمة منديلا، لكن الإعلام العالمي الذي تسيره أياد صهيونية من وراء حجاب، يرفض أن يتعامل مع تضحيات الشعب الفلسطيني كما تعامل مع تضحيات الشعوب الأخرى المستضعفة في باقي أصقاع العالم، لأن صورة الضحية التي تروج لها الصهيونية العالمية ترفض أن تقبل بوجود ضحية ثانية غير ضحية المحرقة النازية .

من الواضح أن “إسرائيل” هي الكيان الوحيد الذي لا يفرق في قمعه ما بين البالغين والأطفال القصّر، فهي تعمد بحسب التقارير الأممية إلى تعذيب الأطفال الفلسطينيين نفسياً وجسدياً، وتلجأ إلى عزلهم في زنزانات انفرادية في مخالفة فاضحة لكل القوانين الدولية المعتمدة والمطبقة حتى في الدول والأنظمة التي تملك سجلات سوداء في مجال حقوق الإنسان . ولأن العنصرية الصهيونية لا تستهدف المسلمين فقط، فقد أمعن في الآونة الأخيرة، بعض اليهود المحسوبين على ما يسمى بأقصى اليمين المتطرف، في استهداف المسيحيين من خلال القيام بأعمال تخريبية ضد الأفراد والممتلكات وحتى الأماكن المقدسة، وذلك قبل أيام قليلة من الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها البابا فرانسوا الأول إلى القدس المحتلة .

نعتقد في هذه العجالة وبناءً على ما تقدم، أن المجتمع الذي يُبنى على الحقد والكراهية لا يمكنه أن يتعايش لا مع جيرانه ولا حتى مع مواطنيه العرب، لأنه يرفض في الأساس فكرة التعايش ويرى فيها مساساً وتهديداً لهويته القائمة على رفض الآخر المختلف؛ وذلك بالرغم من أن المفكرين اليهود في الغرب ملأوا الدنيا وشغلوا الناس بأفكارهم عن الغيرية والاختلاف، من أجل تقويض المجتمعات الغربية المتماسكة عرقياً وحضارياً، وبهدف السماح ،من ثمة، للأقليات اليهودية بالقيام بدور محوري، مؤثر وفعال داخل مجتمعات غربية مفككة ومتعددة الأعراق والأجناس .

الحسين الزاوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.