الحوار أم الدمار.. والتاريخ يتحدث؟!
الحوار والقوة.. يا ترى أيهما أفضل لبناء دولة نموذجية يعيش بها الكل بأمن وسلام وعدل ومساواة، في ظل وجود خلافات وانقسامات اجتماعية تكمن في التعصب الديني والعرقي والمذهبي والمصالح الخاصة؟!
قد يرى البعض أن الحوار هو الحل الأمثل للتعايش السلمي، في ظل وجود أزمة الخلافات، وآخرون يرون أن القوة وإقصاء فئات يختلفون معهم دينياً وعرقياً ومذهبياً هو الحل الأنسب، وهذا أمر طبيعي لطالما الفكر لا تحدده ضوابط اجتماعية أو قانونية أو أخلاقية، خاصة إذا كان فكراً متطرفاً لا يفهم لغة احترام معتقدات الآخرين، ولكن دعونا نعود إلى زمن الخلافات في أوروبا، ونقارنها بالعصر الحديث ببعض الأمثلة، ونرى ماذا نتج عن الأول والأخير.
في عام 1789 وقت اشتعال الثورة الفرنسية، كانت إيطاليا مقسمة الأوصال نتيجة التناحر السياسي والديني الذي نتج عنه قتل ودمار عاق طريق تحقيق الوحدة السياسية لإيطاليا، وكل هذا كان سببه استخدام القوة ورغبة البابا في السيطرة من أجل الحفاظ على سلطته الدنيوية.
وفي عام 1789 أيضاً كانت ألمانيا مقسمة إلى أكثر من 300 ولاية لا تجمع بينها أي روابط ثقافية ولا دينية، فقط الرابط الوحيد الذي جمعهم أنهم تبعية لحكم إمبراطور الدولة الرومانية، والخلافات العرقية والدينية والسياسية بين بعضهم البعض كانت سبباً في دمار بعض الولايات، وكان نتاج القوة هو الدمار من دون انتصار لأي ولاية على أخرى.
وأيضاً أود أن أذكر بعض حالات التحالف في الحروب، على سبيل المثال، التحالف الثلاثي بين ألمانيا والنمسا وإيطاليا عام 1882 في حرب ضد روسيا وفرنسا، وأيضاً تشكيل تحالف ثلاثي بين فرنسا وروسيا وإنجلترا ضد ألمانيا، وثمرة تلك التحالفات كانت حروبا ودمارا واقتتالا بين هذه الدول، والسبب هو اللجوء لعامل القوة، ولاسيما أن الزمن القديم كانت القوة هي الحل الأنسب، أما الحوار فيعتبرونه لغة الضعيف.
الآن ننتقل إلى العصر الحديث بعدما سادت لغة الحوار بين المتخاصمين، ومن خلاله دفنوا التعصب العرقي والثقافي والديني في مقبرة تاريخهم الذي كان يتسيده الدمار الشامل، ماذا سنجد؟ نجد القانون هو الحاكم، وثقافة الاحترام بمختلف أشكاله سادت في بلدانهم، فضلاً عن تطورهم التكنولوجي السريع الذي نعيش تحت رحمته اليوم، وبات يمثل كل احتياجاتنا لمقاومة قساوة الحياة، ولا يمكن أن نتجاهل إرساء مبدأ العدل والمساواة، ولو كان نسبيا إلا أننا ما زلنا نضرب به أروع الأمثلة، والمهاجرون العرب وغيرهم إلى أوروبا ونيل حقوقهم الإنسانية أفضل دليل على ذلك.
ماذا صنع الحوار أيضاً في أوروبا؟! جمعهم في اتحاد أوروبي واحد متعاونين ويتبادلون التطور والثقافات والعلوم، إضافة إلى الاتحاد الجمركي والاتحاد الاقتصادي، وتكوين السوق الأوروبية المشتركة، كل هذه الإيجابيات صنعها طريق «الحوار» الذي تفوق على لغة «القوة»، وهكذا استفادوا من الحوار في التعامل مع خلافاتهم.
أريد من كل هذا السرد التاريخي أمرا واحدا، أنه مهما اختلفنا وتصارعنا وسعينا لحل مشاكلنا في بلدنا فلن نحقق أي شيء إيجابي بمفهوم القوة والتهديد والوعيد، واعتلاء المنابر ببث الشعارات، فقط الأمر بحاجة إلى عقول وطنية تدرك مفعول الحوار على طاولة المكاشفة والمصارحة التي تتخللها المصلحة الوطنية، وغير ذلك ستستمر خلافاتنا، وستسير سفينتنا إلى المجهول، وبسبب العناد وعنجهية البعض الجميع سيغرق.. نسأل الله أن يحفظ الكويت وأميرها وشعبها من كل مكروه.
حسن الهداد