السياسة.. أبيات شعر و«حذف عقل»!
قال الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأميركية إبراهام لينكون «إذا كنت تريد أن تكسب أحداً لقضيتك فعليك أولاً أن تقنعه بأنك صديقه».
عبارة «لينكون» لها معان سياسية عميقة، ووفق فهمي لملامحها، فهي تؤكد أن السياسي لابد أن يمارس لعبة «فن الممكن» وليس التمسك بمبدأ واحد فحسب، لتحقيق أهدافه من دون الثبات على رأي جامد تحت عنوان «المبدأ»، لأن المواقف في العمل السياسي أساساً تتغير حسب الظروف وأحداث الساحة وخاصة إن تبدلت الوجوه، وهذا أمر طبيعي يفهمه كل من يمارس السياسة من دون تعاطف، أو خوفاً من نقد جارح يمارس من قبل السطحيين مع احترامي لعقولهم.
ماذا يحتاج السياسي كي ينتصر لقضيته؟.. علينا أن نبدأ بعبارة «لينكون» الذي أشار إلى ضرورة إقناع من حولك بأنه صديقك، وهذا مطابق لمقولة «كن لطيفاً مع خصمك فقد يتحول غداً إلى صديق لك»، وهذا التوجه أساساً لا يقتصر على العمل السياسي، وإنما هو امتداد راق ظهر من رحم الأديان السماوية، وقال الله عز وجل لموسى في محكم كتابه الكريم عندما طغى فرعون «اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولاً لينا لعله يذكر أو يخشى»، هذه الآية عظيمة بتفسيرها، وتدل على رحمة الله الواسعة التي تشمل حتى من تكبر وظلم، فركزوا هنا عندما قال الله سبحانه «فقولا له قولاً لينا»، رغم أن فرعون تكبر وقال «أنا ربكم الأعلى»، طلب الله من النبي موسى أن يتحدث معه باللين، كفرصة للتوبة ولكن الغرور كان سيد
موقف فرعون.
فالمبدأ الذي أود أن أبينه هنا أن السياسة ليست كما تمارس من البعض بالكويت بأبيات شعر وتطبيل وحذف «العقل» ، بل أود أن أُؤكد أنه لابد أن يمارس أسلوب اللين واللطف مع الخصوم في التعامل السياسي، لأنه ليس بالضرورة أن يكون الخصم السياسي خصمك للأبد، فالأحداث المتغيرة دائماً هي من تتسيد المواقف وليس مواقف الأشخاص هي من تتسيد الأحداث، لذا تجد العقول التي تدرك فن العمل السياسي أثناء معركتها لا تُذكر الخصوم بمواقف الماضي، لأن هذا التذكير قد يعود عكسيا بتذكير تناقضات أشد شراسة من الآخر طالما أن المواقف السياسية في حقيقة واقعها غير ثابتة، وهذا هو حال المناخ السياسي.
من يسعى إلى القفز لساحة المعركة السياسية برصاصة يتيمة، معتمداً على جيش من الشعراء والمطبلين خارج حدود المعركة حتماً سيخسر معركته، وكل ما سيكسبه هو الشو الإعلامي أمام السطحيين، فالسياسي الضعيف هو من يعتقد بأن السياسيين يجب أن تكون مواقفهم ثابتة وإن تغيرت الظروف، متجاهلاً ظروف واختلافات كل مرحلة عن أخرى، وللأسف واقع حال السياسيين اليوم أنهم تفرغوا لتذكير بعضهم البعض بتناقضاتهم السابقة، رغم أن تلك التناقضات لو حصرناها لوجدناها أطناناً لا تحملها الجبال، وكلماتهم للأسف نراها تتكرر كل يوم «أنت حكومي وأنت تأزيمي»، وهذا يدل على أن معظم من يردد هذه المصطلحات لا يملك منهجا ورؤية واضحة لتطوير العمل السياسي لتحقيق طموح المواطنين، ولا أعلم متى يدركون بأن الساحة السياسية لا يوجد بداخلها معصومون؟!
وأنا على يقين بعد تفحص الساحة السياسية وفكر السياسيين، خاصة الفكر الظاهر على السطح، أننا لن نجني إلا الكلام نتيجة نهج فوضوي، فمتى ما أصبح لدينا أهل سياسة يتعاملون مع أوضاع الحاضر أكثر من ثرثرتهم عن مواقف الماضي، هنا سندرك أن العمل السياسي بدأ يتطور للأفضل، وكما قلت «اللين» في التعامل السياسي مع الخصوم أمر لابد منه، وأختم بآية كريمة «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك».
حسن الهداد