المساءلة.. بوابة التنمية
راكان بن حثلين: لم يعد مقبولا تدهور الوضع في البلد واستمرار حالة الركود إن لم يكن الشلل
راكان بن حثلين: لم يعد مبررا السكوت عن التدهور الذي يقود إلى انهيار دولة المؤسسات وتحولها إلى إقطاعيات تستنزف مقدرات البلد
راكان بن حثلين: منذ سنوات نسمع ونقرأ اعترافات حكومية بوجود الفساد المالي والإداري .. ولكن لا أحد يدفع الثمن إلا المال والشعب
راكان بن حثلين: الوضع الآن يتطلب انتفاضة وطنية لوأد الفساد بكل أشكاله لأن المسألة اصبحت تشكل خطرا على كيان البلد
راكان بن حثلين: نحتاج إلى هيئة وطنية ولجان شعبية تستبسل في رصد وكشف التجاوزات وفضح كل ضليع فيه
لم يعد مقبولا تدهور الوضع في البلد، واستمرار حالة الركود إن لم يكن الشلل- وتوقف عجلة التنمية منذ حقبة الثمانينيات حين كانت الكويت فعلا درة الخليج.
ولم يعد مبررا السكوت عن هذا التدهور الذي يقود إلى انهيار دولة المؤسسات، وتحولها إلى إقطاعيات ودويلات تستنزف مقدرات البلد لصالح «شلل» و«لوبيات» من المتنفذين، وتترك الشعب يقتات على فتات و«طيَاح» كيكة التنمية.
تعاقبت المجالس والحكومات، والتنمية «مكانك راوح»، واختلفت الوجوه والتوجهات، ولكن الجميع اتفق على أن السبب الأول في تعطيل التنمية هو الفساد، الذي أخر إنجاز المشاريع، وجعل بعضها يصبح مثار سخرية وتندر، ونكات من مسرح الواقع.
فمنذ سنوات ونحن نسمع ونقرأ اعترافات حكومية بوجود الفساد المالي والإداري، وتقارير تؤكد ثبوت التجاوزات بحق عدد من المتنفذين في مشاريع عملاقة، ولكن دائما لا أحد يدفع الثمن، إلا المال، والشعب الذي سئم هذا الواقع، واشمأز من تفشي الفساد بهذا الشكل السيئ، ولا يسجن خلف القضبان إلا الضعيف، بينما اللصوص الكبار يتمتعون بحماية وحصانة عصية على المساس.
وكل ما نراه مجرد ردات فعل ساخطة، وحملات سياسية وإعلامية سطحية لا تعالج المشكلة من جذورها، والأسوأ من ذلك ان يكون الكثير من هذه الحملات مصلحيا، يهدف الى تصفية الحسابات، او إلى تغليب مصلحة طرف على طرف آخر، وبالعامية «كل يدني النار لقرصه».
وإذا كانت المرحلة الماضية خضعت للمجاملات والمحسوبيات، وشهدت غض النظر عن تجاوزات جسيمة لسبب أو لآخر، فإن الوضع الآن يتطلب انتفاضة وطنية لوأد الفساد بكل أشكاله، لأن المسألة اصبحت تشكل خطرا على كيان البلد ومؤسساته.
فلم يعد الدور محصورا في السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل أصبح من واجب كل مواطن أن يبادر إلى المشاركة في التصدي للفساد ومحاربته، بدءا بالذات وتربية الأبناء، وصولا إلى المؤسسات والقائمين على ثروات البلد.
نحتاج إلى شعور ذاتي بالمسؤولية، والتزام بأداء الحقوق الوظيفية بشكل يكافئ المستحقات المالية، وإحقاق ميزان «الأجر على قدر العمل»، وأن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، وأن توكل الأمانة إلى أهل الأمانة، لا إلى من يخون الأمانة ويستبيحها.
نحتاج الى هيئة وطنية ولجان شعبية تستبسل في رصد وكشف التجاوزات، وفضح كل ضليع فيه، وحملات ضاغطة على كل وزير أو نائب أو مسؤول يتواطأ مع الفساد والمفسدين بشكل مباشر أو غير مباشر، وإجبار الحكومة على تطبيق القانون على الرؤوس الكبيرة قبل الصغيرة، وتمكين القضاء من إنزال القصاص العادل بكل من ظنوا ان البلد عزبة خاصة بهم، أو محطة ترانزيت يستنزفونها ثم يطيرون بخيراتها الى منتجعاتهم وإمبراطورياتهم التي أسسوها في الخارج.
وإذا كانت المساءلة في المرحلة الماضية إما غائبة أو مجيرة لمصالح خاصة وضيقة، فيجب أن نشهد تفعيلا حقيقيا لهذه الأداة سواء كانت تشريعية ممثلة بالصلاحيات الدستورية للنواب، والتي يفترض ان تكون امتدادا لنبض الشارع، او من خلال القنوات الإدارية والقضائية، مع ضرورة تحفيز كل مواطن على أن يشارك في حملة الإصلاح، من خلال اقرار قوانين تشجع كل مواطن على الإدلاء بأي معلومات ترده عن وجود الفساد، او حتى الشبهات حول وجود الفساد، مثل قانون حماية المبلغ، وإتاحة الحصول على المعلومات لكل باحث ومتحقق.
كل الأمم تتخذ من أزماتها دروسا وعبرا، وتجعل الكبوات والعثرات تجارب تبنى على أساسها أفكار ومعالجات للنهوض والارتقاء بواقعها، ونحن إذا كنا نجمع على ان الفساد هو السبب في شلل البلد، فإن علينا أن نقر ونتفق على أن المساءلة هي البوابة للتنمية الحقيقية، تنمية تبدأ بالبشر، وتؤسس لفكر ونهج جديدين على الصعيدين الإداري والمالي، ولا تعتمد فقط على الآلة والحجر.
راكان بن حثلين