النص الكامل لخطبة إمام مسجد الخرينج التي صدر قرار بإبعاده بسببها
فيما صدر قرار ابعاد إمام مسجد الخريج الشيخ سيد فراج عن البلاد على خلفية تطرقه لأمور سياسية في خطبة الجمعة يوم أمس، نشرت صحيفة «الراي» النص الحرفي للخطبة، والتي جاء فيها:
الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونتوب اليه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله سبحانه لا نحصي ثناء عليه هو كما اثنى على نفسه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن نزغات الشيطان وسيئات الاعمال من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد ان نبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الاطهار واصحابه الاخيار وسلم تسليما كثيرا ما تعاقب الجديدان الليل والنهار… أما بعد…
ايها المسلمون: اوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل… ايها الاخوة
اواصل معكم الحديث حول الوصايا العشر التي جاء ذكرها في سورة الانعام بقوله جل وعلا «قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا اولادكم من إملاق نحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده واوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا تكلف نفسا إلا وسعها واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى».
هذه هي الوصية الثامنة من هذه الوصايا العظيمة «واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى».
ايها الاخوة:
لقد جاء الاسلام لينشئ امة خيرة ويقيم مجتمعا صالحا ويؤسس منهجا كاملا شاملا جاء بنظام عادل، الناس فيه سواسية اكرمهم عند الله اتقاهم لا تخابر بينهم ولا تعصب ولا تمييز، فالرابطة قوة الايمان والتفاضل تقوى الرحيم الرحمن.
ومن ثم جاء هذا الدين بمبادئ عظيمة واسس قويمة تبعث على نشر الامن والطمأنينة بين الافراد والمجتمعات ومن الاسس العظمى والدعائم الكبرى والمبادئ المثلى التي جاء بها الإسلام مبدأ العدل فلا توالي صديقا لقرابته ولا تعادي عدوا لما بينهما من عداوة بل تمضي في منهجها الشرعي تزف بميزان الحق والعدل وتقيس بمقياس الشرع والقسط.
ان العدل اخوة الاسلام اساس كبير وعامل عظيم في توطيد الامن ونشر الطمأنينة والسلام ومن امعن النظر واجال الفكر في حياة الامم السابقة علم علم اليقين انه لا امن مجتمع ولا امة صلح حالها واستقر امرها وثبتت اركانها ورست دعائمها الا على اساس العدل بين ابنائها وما سلكت امة مسلك الظلم والجور والتسلط والخيانة الا كان ما لها السقوط والانهيار ولو بعد حين.
فما دكت الحصون وانتشرت المحن والاحقاد وتهدمت العروش إلا بسبب البعد عن العدل وعدم الحكم بالقسط والوقوع فيما ضرره ومرتعه وخيم من الظلم والجور والتسلط والخيانة نسأل الله العافية.
ايها الاخوة بالعدل قامت السماوات والارض به عمارة الكون وصلاح الاحوال واستقرار الاوضاع وصيانة الدماء والاموال والاعراض، العدل مصدر ضمان الحقوق واطمئنان النفوس ومبعث الامن والامان لذلك جاءت النصوص الشرعية بالامر به والحث عليه يقول سبحانه «ان الله يأمر بالعدل والاحسان» الآية ويقول جلا وعلا: «واقسطوا ان الله يحب المقسطين»، ويقول جل وعلا: يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو اقرب للتقوى».
اي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم بل اعدلوا في الصديق والعدو هو اقرب للتقوى وفي الآية الاخرى: «كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين، ان يكن غنيا او فقيرا فالله اولى بهما فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا».
وفي الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: وذكر منهم الامام العادل:
وفي صحيح مسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن وتلك يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم واهليهم وما ولوا.
ايها الأخوة:
بالعدل قامت السماوات والارض، نعم، السماوات والأرض قامت بالعدل، يقول أهل العلم في بيان عن العدل، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: العدل هو التوحيد، وقال علي رضي الله عنه: العدل هو الإنصاف، وقال سفيان: العدل استواء العلانية والسريرة.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: أمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل، ولا تستقيم في الظلم في الحقوق، ولهذا قيل: ان الله يقيم الامة العادلة وان كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وان كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والحكم، ولا تدوم مع الظلم والاسلام، ذلك ان العدل نظام كل شيء، فاذا اقيمت امر الدنيا بعدل قامت وان لم يكن لصاحبها في الاخرة من خلاق وورد ان آية من كتاب الله جمعت الامور كلها: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى * وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي»، يقول الحسن: هذه الاية جمعت الخير كله والشر كله، فوالله ما جمع العدل والاحسان شيئا من الخير الا جمعه، والفحشاء والمنكر من الشر الا جمعه.
أمة العدل والإنصاف:
العدل هو اساس كل شيء كلنا بحاجة إلى العدل، الوالد مع اولاده، الزوج من زوجاته، التاجر بين عملائه، الموظف بين مراجعيه، المدرس بين طلابه، كل ينبغي عليه ان يكون العدل هو اساسه ونبراسه وللعدل مقامات متعددة اولها: اعدل العدل هو القيام بحقوق الله من توحيده وطاعته وافراده بالعبادة وحده، واخلاص العمل له، فمن قام بهذا فقد قام باعدل العدل ونقيضه هو الظلم وأظلم الظلم الشرك والعياذ بالله.
ثم هناك عدل الانسان مع نفسه، واطرها على طاعة الله وكشف حجابها عن معصيته والسلوك بها إلى الصراط المستقيم اداء للاوامر واجتنابا عن النواهي، والتزاما بشرع الله من اقوال وافعال وتصرفات والطاعات كلها عدل وانصاف والمعاصي كلها ظلم واسفاف، ثم هناك عدل الانسان مع غيره وتحت ذلك أقسام.
عدل الرعاة مع رعاياهم، عدل الامير مع رعيته، عدل الحاكم مع محكوميه، عدل الرئيس مع مرؤسيه وذلك بتوليه الامناء الصالحين، والسير على سيرة ائمة العدل من الانبياء والمرسلين والخلفاء الراشدين وتولية الامناء الصالحين: «فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». ثم هناك عدل القضاة بين خصومه، عدل القضاة بين خصومه فمتى قام القاضي بواجبه صلحت الاحوال، ولكن انظروا ايها الاخوة بقوله صلى الله عليه وسلم: «قاض في الجنة، وقاضيان في النار».
لقضاة الذين بأيديهم دماء الناس واعراضهم، بالامس القريب حصلت انتخابات في بلد عربية هذه الانتخابات نعرف مآلها، وانه ليس هناك احد ذهب اليها الا اليسير، ثم زورت هذه الانتخابات وقالوا ذهب اليها عدد غفير، وقام بالتزوير جموع القضاة، القضاة الذين بأيديهم العدل قاموا بالتزوير وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قاض في الجنة وقاضيان في النار)
نعم أيها المسلمون: هل انتهيتم.
وهناك مسألة أخرى وهو العدل بين الزوجات فرسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: من كانت له زوجتان فمال إلى احداهما دون الاخرى جاء يوم القيامة وشقه مائل عياذا بالله. وفي رواية: وشقه ساقط عياذا بالله.
أيها الاخوة في الله: حينما أتحدث اليكم لا أتحدث من تلقاء نفسي، وانما اقول قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول كما بينت، قاض في الجنة وقاضيان في النار. ما معنى ذلك:
معناه انه صلى الله عليه وسلم يتحدث في امور الناس، هل نقول ان الرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث في السياسة.
الرسول صلى الله عليه وسلم حينما جاء رجل وقال يا رسول الله ان لي اولادا وهو النعمان بين بشير رضي الله عنهما وقال يا رسول الله اني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ قال لا: فقال صلى الله عليه وسلم: فأرجعه، وفي رواية فأشهد على ذلك غيري فاني لا أشهد على جور.
أيها الاخوة الكرام علينا ان نعدل في اقوالنا فليس هناك عدل في الاقوال فما قام به بعض الاخوة المصلين من حديث ورفع صوت في المسجد فليس هذا عدلا، وانما هذا مخالف لحديث رسول الله ومن يتحدث في المسجد بهذه الصورة لغيت وانتهت صلاته، من قال لاخيه انصت فقد لغاه ومن لقا فلا جمعه له.
الحمد لله واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله واصحابه واتباعه وازواجه وانصاره ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين.
اما بعد
فاتقوا الله عباد الله. واعلموا أن اصدق الحديث كتاب وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها، وكل بدعة ضلاله.
ايها الاخوة في الله نعيش اليوم غرة شهر كريم ذلكم هو شهر شعبان. وما يسمى شعبان إلا لتشعب الخير فيه. ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه ابتغاء زيادة الاجر وتحصيل الثواب من الله. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله لم ارك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال: ذاك شهر يغفل الناس فيه بين رجب ورمضان. وهو شهر ترفع فيه الاعمال إلى رب العالمين، واحب أن يرفع عملي وانا صائم.
وفي حديث أن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر وكان يفطر حتى نقول لا يصوم. وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيت صيام اكثر منه في شعبان فإن كان يصوم شعبان كله. وكان يقول خذوا من الاعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا.
أيها الاخوة في الله:
هذه ايام طيبة مباركة ونحن في غرة هذا الشهر الكريم، فالواجب علينا أن نستغلها في العبادة، والصلة بالله سبحانه وتعالى صياما وقياما وقراءة للقرآن الكريم، وذكر لله عز وجل.
أيها الاخوة في الله:
نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجمع قلوبنا على الحق. وان يبعدنا عن الغل والحقد والحسد، فنحن وان اختلفنا كلنا مسلمون، نبغي وجه الله سبحانه وتعالى.
والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، فالاخوة الذين يعارضونني هم اخوة لي واحباء ورأيهم على رأسي وفي عيني واكن لهم كل حب واحترام، ولكن هناك اختلاف وهذا الاختلاف كما قلت لا يفسد للود قضية، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح قلوبنا واعمالنا، اللهم اعز الاسلام والمسلمين، واذل الشرك والمشركين، ودمر اعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، واللهم آمنا في اوطاننا، واصلح ائمتنا وولاة امورنا. واجعل ولاية المسلمين فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا قوي يا عزيز.
اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا كربا إلا نفثته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا عدوا إلا دمرته.
ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها برحمتك يا أرحم الراحمين.
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا، ربنا لا تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب.
ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما.
ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم.
عباد الله: أن الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.
اذكروا الله يذكركم واستغفروه يغفر لكم. واقم الصلاة.