اختبارنا أصعب من اختبارهم
التربية الناجحة تقتضي أن نحاول استثمار كل حدث ونوظفه تربويا، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الأيام، وهي أيام الاختبارات المدرسية، كيف نستثمر هذا الحدث ونوظفه في تربية أبنائنا، ونكسبهم زاوية تربوية جديدة، وذلك من خلال عرض المعلومات عليهم، واستثارة تفكيرهم بعدة أسئلة منها: ما معنى الاختبار؟ ومتى يكون؟ وما الفرق بين الاختبار المدرسي واختبارات الحياة؟ وغيرها من الأسئلة المهمة التي تلفت نظر أبنائنا للنجاح في التعامل مع أي اختبار يأتيهم في الدنيا، فنعلمهم أن «الاختبار سنة الحياة»، وأن الاختبار ليس مرتبطا بزمن محدد، وإنما نحن نختبر في كل يوم من قبل الله تعالى، فأبو البشر آدم عليه السلام دخل أول اختبار في العالم، عندما أمره الله تعالى أن يأكل من أشجار الجنة عدا شجرة واحدة، إلا أنه أكل من تلك الشجرة ولم ينجح بهذا الاختبار، ولكنه تعامل مع الرسوب أو السقوط بطريقة صحيحة وهو «الاعتذار والاستغفار»، ومن ثم الانطلاقة من جديد والاستفادة من الماضي الذي لم ينجح فيه، وهذا المفهوم الذي ينبغي أن نوصله لأبنائنا حتى ولو لم يوفقوا في نتائج اختباراتهم المدرسية، أو لم ينجحوا في اختباراتهم الدنيوية، فنعلمهم أن الخطأ أو الخطيئة ليست هي المشكلة بحد ذاتها، وإنما المشكلة الكبيرة في أن المخطئ لا يعالج خطأه بالاستغفار أو بالاعتذار، وتدارك ما فات بالانطلاقة والنجاح.
والاختبار الثاني الذي حدث في العالم كان قضية السجود، عندما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، فرسب إبليس في هذا الاختبار، إلا أنه لم يستفد من تجربة آدم السابقة، فلم يعتذر أو يستغفر بل عاند واستكبر، فلم يقبل الله الخطأ من إبليس ولكنه قبل خطأ آدم عليه السلام، فالاختبار يعطينا تقييما واضحا للإنسان، فنزول الإنسان في الدنيا اختبار، وإذا توفي ودفن بالقبر فإنه يختبر كذلك من خلال الأسئلة الثلاثة: وهي من ربك؟ ومن نبيك؟ وما دينك؟
وإبراهيم عليه السلام اختبر زوجة ولده، وقال لها بعدما فشلت بالاختبار أخبريه أن يغير عتبة داره، وقد قالت له ذلك فطلقها وتزوج غيرها، ثم تم الاختبار الثاني للثانية كذلك، فقال لها إبراهيم أخبريه يثبت عتبة داره لأنها نجحت بالاختبار، وبلقيس اختبرت سليمان عليه السلام بإرسال هدية له لتعرف هل هو نبي أو ملك، ولهذا قيل إذا أردت أن تختبر إنسانا فسلمه منصبا أو سلطة، وكان من منهج عمر الفاروق في الحكم على الناس أنه يحكم عليهم بعد أداء الاختبار، ولهذا لما مدح رجل آخر سأله عمر رضي الله عنه هل سافرت معه؟ أو هل هو جارك؟ أو هل تعاملت معه بالدينار والدرهم؟ فهذه أسئلة الاختبار في المنهج العمري للتعرف على أخلاق الناس والحكم عليهم.
وفقهاؤنا ناقشوا مسألة متى يعطى اليتيم ماله ليتصرف فيه بذاته ويكون مستقلا بماله؟ وكان الجواب بأن يعمل له اختبار للتأكد من حسن التصرف بالمال، ولهذا قال تعالى «وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح..»، يعني اختبروهم، فالاختبار يقيم مستوى الإنسان ويذكي روح التنافس عنده، ويعرفنا بقدرات الإنسان ونقاط ضعفه وقوته، ويعرفنا كيف يتعامل الإنسان مع مشاعره وقت الربح أو الخسارة، ويبين لنا مدى تعلق الإنسان بربه.
ومن جميل ما قرأت في السيرة النبوية أن السيدة خديجة رضي الله عنها اختبرت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قبل الزواج، من خلال تكليفه بالتجارة بمالها، وأرسلت معه ميسرة ليعطيها التقرير الواضح عن الرحلة من الناحية المالية والاجتماعية والإدارية، وبناء على ذلك تم الزواج، وكان زواجا نموذجيا لأنه سبقه اختبار، وهذا ما نحتاج إليه في زماننا بين المخطوبين حتى لا يفشل الزواج.
لو أوصلنا كل هذه المعاني لأبنائنا وتحدثنا معهم في السيارة أو وقت الغداء، فإننا نجعلهم ينظرون للاختبار نظرة صحيحة، كما ينظرون للنجاح والفشل نظرة إيجابية، وهذا هو المهم لأن الحياة كلها اختبار «أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون؟»، فالمفروض أن نعلمهم تجربة آدم عليه السلام، ونشجعهم عليها، ونحذرهم من تجربة إبليس ونقول: إن «اختبارنا أصعب من اختبارهم».
د. جاسم المطوع