مقالات

لمَن يبحث عن السعادة

كلنا لدينا مشاكل، ولكن ليس الكل حزيناً، فالناس صنفان في ردة فعلهم للمشاكل، منهم من يجزع ومنهم من يتقبل البلاء، فهناك من لديه مشاكل كبيرة وأمراض مزمنة ورغم ذلك تراه يبتسم، ومن الناس يتذمر لأتفه الأسباب، بالرغم من أن حياته تكاد تخلو من الأحزان.

وأحب أن أصنف هؤلاء إلى صنفين، مخموم القلب ومهموم القلب، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَي النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ»، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ، قَالَ: «هُوَ التَّقِي النَّقِي، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْي، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ».

وشتان بين هذا وذاك في ردة الفعل والتعامل مع الأزمات، فمهموم القلب قلق ويتصف بالجزع، كثير التذمر والشكوى، يستصعب الإنجاز ولا يبادر، ويبحث عن شخص ليلقي عليه اللوم عند المشكلة، فإن لم يجد هذا الشخص ألقى اللوم على نفسه.

بينما نرى مخموم القلب مبتسماً، قريباً من الله في كل الأحوال، يدرك أن الابتلاء اختبار من الله، وينظر للأمور بحكمة فلا يلقي اللوم على هذا وذاك، أو على نفسه، يبحث عن الحلول ولا يبحث عن تعقيد الأمور، ويعتب فيعذر ويشكر، ويستغفر ومن الله يتقرب.

كم يتمنى مهموم القلب لو أنه سعيد، ولكنه لو جرب السعادة قد يخاف لأنه اعتاد الحزن وقلبه بالهم مشرب، لا يصفح ويتقبل ولا ينظف قلبه، فالسعادة لا تجد لها مكاناً في قلب مهموم.

مهموم القلب يستطيع أن يصبح سعيداً، ولكن ذلك ليس في مجال إدراكه، وإن أدرك ذلك فلا يعرف السبيل إلى ذلك والطريقة، هو مربوط بالتعاسة بحبل وهمي، قد رأيت يوماً صورة لبغل أكرمكم الله، مربوط بكرسي بلاستيكي، واقف ينتظر صاحبه، هو لا يدرك أنه يستطيع أن يمشي ويسحب الكرسي خلفه، وإدراكه لا يتعدى الحبل، هكذا الإنسان القلق، المهموم، يستطيع أن يتغلب على تعاسته ولكنه لا يعلم.

والإدراك وحده ليس كافياً للتغيير، بل يجب أن يتبعه سلوك التغيير، فكم شخص يتمنى أن يحفظ القرآن، وكم شخص يدرك أثر ذلك في الدنيا والآخرة، ولكن كم شخص يبدأ بالفعل بحفظ القرآن وكم شخص فعلياً يلتحق بمراكز التحفيظ، وكم شخص يختم القرآن فعلاً؟!

فمن يريد السعادة عليه بالتوكل على الله والأخذ بالأسباب التي تقوي العزيمة بقلبه ليكسر الحواجز ويبلغ مراده.

نجلاء غانم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.