مقالات

“مجلس حي ميت”!

لو لم أكن على علم بموعد أذان صلاة الظهر, لما خمنت ذلك بالنباهة, ولما ربطت إطلاقا بين الأصوات الغريبة التي سمعتها وبين موعد الاذان. فما سمعته كان عبارة عن صوت شخص يتأوه ويتلوى وكأنه يشكو من علة في بطنه. ولما سألت لاحقا, قيل لي: إن الأصوات الممطوطة وغير المفهومة الصادرة من سماعات المسجد, إنما هي لعامل نظافة بنغالي! فسألتهم مجددا: هل سمعتم الله أكبر, هل سمعتم أشهد أن لا إله إلا الله, هل سمعتم أشهد أن محمدا رسول الله, هل سمعتم حي على الصلاة, هل سمعتم حي على الفلاح? قالوا: لا, ولكننا عرفنا المقصد النبيل لعامل النظافة, فتوجهنا إلى المسجد!

هذا الموقف, قد يبدو طريفا للبعض, ولكنه ينم عن قصور في العمل الشعبي وسلبية عارمة تعم المجتمع ككل. فأكثر ما حبانا الله تعالى به, هم الشباب الملتزمون دينيا, ومع ذلك, يندر أن نجد من بينهم من يتبرع بوقته أو يبادر الى الذهاب مبكرا إلى المسجد وينادي للصلاة بلغة عربية سليمة خالية من العيوب. والمصيبة, أن حين يقترح أحدهم حلا للتغلب على هذه المشكلة ببث الأذان إلكترونيا, بأصوات نقية وجميلة, يتشنج البعض ويصم المقترح بالبدعة وعدم المشروعية. يقولون هذا, رغم إن المايكروفونات والسماعات وما في المسجد من أثاث وأجهزة وديكورات, كلها مبتدعة ولم تكن موجودة في صدر الإسلام!

الشاهد, أننا لو تحررنا من تفاصيل الموقف أعلاه, فسنجد أن السلبية هي أسلوبنا وديدن حياتنا, فخدمة المجتمع والعمل الشعبي التطوعي لا وجود له إلا في أضيق الحدود, ولا أذكر إنني سمعت أخيرا عن نشوء مجلس حي لكل منطقة, يعهد إليه العناية بالمنطقة والاهتمام بشؤونها, ومن خلاله يتطوع الأهالي لخدمة منطقتهم, كأن ينظم المتقاعدون من رجال الشرطة حركة السير أمام المدارس, ويجاريهم المعلمون المتقاعدون بتقديم دروس تقوية لأبناء المنطقة, وكذلك يفعل الرياضيون بتخصيص ساعات معينة للتدريب على التمارين الرياضية في ممشى المنطقة, وغيرهم, وغيرهم كل في تخصصه وحسب قدرته.

المشكلة, أن لا أحد ممن يتمتعون بعلاقات اجتماعية واسعة في المناطق السكنية يبادر الى هذا, فكل الاهتمام وجل التركيز ينصب على احتواء أهالي المنطقة في ديوان, ومن ثم استغلالهم لتحقيق الطموح بالوصول إلى مجلس الأمة عبر انتخابات الجمعيات التعاونية… أدري أن مشوار تفهم الناس لأهمية خدمة المجتمع والمنطقة سيكون طويلا جدا, في ظل اعتمادهم التام على الحكومة في كل شيء وأدنى شيء. ولكنها فكرة, كتبت عنها سابقا, وراودتني مجددا بعد سماعي ل¯تلوِّي وتأوهات الأخ الذي كان يؤذن, أو الذي قيل أنه كان يؤذن!

 صالح الغنام

salehpen@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.