مقالات

نفس طويل!

التاريخ يشهد, على أن شعوب الأرض جميعها, معروفة بالصبر, والنفس الطويل, والقدرة الشديدة على التحمل. وما سطره الأولون في صحائفهم وكتبهم ومجلداتهم عن أنماط وطبائع الشعوب, كلها تعتقد ـ ما بين جزم وتوكيد – على أن الله تعالى وضع في الشعوب, قدرة عظيمة على الاصطبار واحتمال المكاره. وقد يكون سبب تأني الشعوب في التصدي للطغاة من حكامهم, وإبطائهم في تغيير واقعهم السيئ, هو إدراكهم, أن العنف, سيجر عنفا أكبر, وأن تحدي النظام, سيخلق فوضى ودمارا وعدم استقرار وغياب أمن وتشردا, تجعلها تترحم على أيام الطغاة على الرغم من كل ما فيها من جور وظلم. وما قد يزيد من مخاوف الشعوب ـ وهنا أتحدث عن وقتنا الحاضر ـ أن لا منافس أو بديلا للأنظمة المستبدة, يمتلك القدرة والكفاءة على إدارة البلدان وقيادتها إلى بر الأمان.

لو استعرضنا واقع الدول التي تعرضت إلى ضربات الربيع العربي, وما آلت إليه أحوالها ومصائرها بعد مرور ما يزيد عن ثلاثة أعوام, لأيدنا جميعا الحقيقة الدامغة أعلاه من دون سفسطة أو تنظير أو جدل أو نقاش. وهذا لا يعني أن تقبل الشعوب الذل والهوان عقودا من الزمان, ولكن عليها أن تتحين الفرص المناسبة للتحرك, وأولى اعتبارات التحرك الناجح, يكون باختلاق أو اختيار أو وضع العين على بديل يمتلك الرأي والرؤية والقدرة على إدارة البلاد في ظروف غير طبيعية, وإنقاذها قبل أن تغرق في بحر من الفوضى والانقسام. وهذا تحديدا, ما لم تلتفت إليه شعوب دول الربيع العربي, ولم تحفل به أصلا, فما حصل, انها التفت حول أصحاب الأصوات العالية وسلمت مصائرها لأحزاب أو شخصيات معارضة, الذين بدورهم قادوا دولهم إلى المجهول.

الشعوب العربية وهي تثور, لم تميز الفرق بين تيار أو حزب أو نائب يعارض الحكومة على مشروع أو إجراء أو قانون, وبين تيار أو حزب أو شخصية تمتلك مقومات الحكم وتحمل مسؤولية النهوض ببلد. الشعوب تعاملت مع إسقاط النظام كتعاملها مع حل البرلمان, ولم تفرق بين الاثنين, فظنت, أن أصحاب الأصوات المعترضة, هم الأجدر والأحق في إدارة الدولة, وأنهم يشكلون السياق الطبيعي لتولي الحكم متى غاب النظام. وقد يكون مثل هذا جائزا ومقبولا وتقره بعض الدساتير, في حال حدوث فراغ دستوري نتيجة وفاة رئيس بلا نائب, أو ما شابه من ظروف استثنائية موقتة. لكن, عند الثورات, فالأمور تختلف تماما وجذريا, ولا يمكن تسليم مقدرات بلد ورهن مصيره في يد شخص, كل مقوماته وخبراته الاعتراض على وزير أو رئيس حكومة أو رئيس دولة حتى!

في جملة قصيرة: “غاب البديل, ففشلت ثورات العرب”!

 صالح الغنام

salehpen@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.