الرحلة!
صالح الغنام
بدأت القصة بهمهمة مبهمة وغير مفهومة, وشيئا فشيئا, اتسع نطاقها وأضحت ثرثرة مسموعة, تميل للصخب تارة, وللغموض تارة أخرى.
شجر الخلاف بين الناس, وحاروا في تحديد أمرهم. وإذ هم في هذه الحال, سمعوا صوت السير وهو يتأهب للتحرك. فاستقل جميعهم القطار دفعة واحدة, بعضهم تحديا وبعضهم خلسة, ولكن أيا منهم لم يسدد ثمن تذكرة الرحلة.
بدأت عربات القطار ترتج وتتأرجح, لقدمها ولهول ما فيها من أحمال إضافية, وعند وصول القطار إلى المحطة الفرعية, قرر السائق تغيير وجهة القطار من الشمال إلى الشرق. لم يعترض الركاب على ذلك, أو هم, ربما لم يستوعبوا الفرق بين الشمال والشرق!
بعد ساعات من المسير الطويل, ألف معظم الركاب بعضهم بعضا, وهدأت نفوسهم, وخفتت حدة نظراتهم القاسية التي كانوا يتبادلونها عندما استقلوا القطار.
صدرت بعض الضحكات من المقطورة الأمامية, ثم انتقلت عدواها إلى المقطورة الثانية, إلا أن ركاب المقطورة الثالثة بقوا على جمودهم, وإن كسر بعضهم رهبة الصمت بأحاديث تافهة تتحدث عن تطور اليابان وسرعة قطارات الصين!
أغلب ركاب المقطورة الثالثة, هم ممن استقلوا القطار متأخرين وخلسة, وقد يكون سبب توجسهم, شعورهم بالذنب, أو ربما ارتيابهم بأربعة ركاب, بدت سحنتهم مختلفة, ويجلسون في مقاعد موزعة بشكل يشبه طريقة رجال حماية الطائرات في اختيار مواقعهم على الطائرة, إلى درجة أن سرت همسات تقول أنهم ارهابيون أو رجال مخابرات مكلفون تنفيذ عملية اغتيال!
انتصف الليل, ولم يصل القطار بعد إلى وجهته. ثم بدأ تدريجيا التخفيف من سرعته البطيئة أصلا, إلى أن صار مسيره أشبه بالمراوحة, وسبب ذلك, أن القطار كان يخترق قرية نائية, وقد خشي السائق أن يدهس أحدا من سكانها تحت جنح الظلام.
تعالت الأصوات الصاخبة, فقيل أن سكان القرية يرمون إلى ركاب المقطورتين الأولى والثانية بأوراق ومناشير وملفات ومستندات!
على غير المتوقع, ارتبك المشبوهون الأربعة, فاقتحم أحدهم – ويبدو أنه قائدهم – المقطورة الثانية, ومنها نفذ إلى الأولى. وبعد دقائق, عاد مسددا نظراته إلى زملائه, فسحبوا من تحت مقاعدهم حقائب متوسطة الحجم, ووضعوها في أحضانهم, استعدادا لشيء ما!
زاد القطار من سرعته, فزادت مخاوف ركاب المقطورة الثالثة من الركاب الأربعة. وبعد برهة وجيزة, تلقى قائد المجموعة نقرات إلكترونية على جهاز صغير كان يحمله في يده, ففز من مكانه, وتحدث إلى رفاقه بلغة غريبة, ثم أطلق ثلاث رصاصات عبر النافذة, توقف القطار في إثرها, فقفز الركاب الأربعة من النافذة, وتابع القطار رحلته.
أحد العالمين بلغة الركاب الأربعة, أكد أن القائد قال لزملائه: لا دور لنا, فالجماعة يريدون حسم الأمر بمعرفتهم, وطلبوا وقوفنا على الحياد وعدم تدخلنا!
صالح الغنام *
salehpen@hotmail.com