شارعنا وشارعهم!
صالح الغنام
منذ عرفنا نشرات الأخبار في الإذاعة والتلفزيون, وهي تنقل لنا أخبار الاعتصامات والاضرابات, والمظاهرات, والاحتجاجات في دول العالم أجمع, ودول الغرب تحديدا. وفي معظم الأحيان, كان ذلك الحراك ينتهي إلى لا شيء, أو إلى نتائج محدودة, وهو يبقى في شكله الشامل والأعم, تأصيلا لمبادئ الحرية, وتوكيداً على أحقية الشعوب في التعبير والاعتراض وفق أطر القانون, وبالطبع, فقد كانت هناك حالات استثنائية قليلة, نتجت عنها تغييرات حاسمة وجوهرية. وفي أحد مؤتمرات القمة العربية, أذكر أن القذافي قال مستهزئا بديمقراطية أميركا وأوروبا الغربية, أن شعوبها, تخرج إلى الشارع, فتصرخ وتتظاهر, ومن ثم تعود خالية الوفاض, بينما شعوب العالم الثالث, المغيبة ديمقراطيا, فإنها إن خرجت, فهي لا تعود إلا وقد حققت مرادها!
قد يكون ما قاله القذافي فيه شيء من الصحة, ويعود هذا لاختلاف ثقافات الشعوب وتفاوت قدرتها على الصبر والاحتمال. وجائز أيضا, أن شعوب الشرق – وبحكم القبضة الأمنية – فإنها لا تخرج إلى الشارع, ولا تلجأ له كخيار ضروري وأخير, إلا في “الشديد القوي”, وفقط, حين يطفح بها الكيل, وهذا ما يجعل مظاهرات شعوب الشرق تتسم بالعنف والفوضى, ويرتفع سقف مطالبها إلى أعلى مدى, ويبالغ قادة الاحتجاج في تعنتهم ورفضهم تقديم تنازلات أو التراجع أو التفاوض, إلا بعد تحقق مطالبهم كافة. بينما أنظمة الحكم في العالم الأول المتقدم, فهي غالبا لا تتفاعل ولا تحفل بما يجري في شوارعها من تظاهر واعتصام, لكونها اعتادت على هذا كسلوك روتيني يمارسه الشعب, بل ربما اعتبرته أحد المعالم السياحية التي ينبغي على السياح مشاهدته والتقاط الصور التذكارية مع المتظاهرين!
هذه المقارنة, ليس الغرض منها الوصول إلى نتيجة “واحد/ صفر” سواء لنا أو علينا, ولا أظنني بحاجة إلى التذكير أنني أحد أشد المعترضين على الخروج إلى الشارع, ولكن ما أكتبه هنا, هو مجرد ومضة, أرى أنها تستحق أن تلفت نظر وانتباه الحكماء لتدارك ما قد يجره علينا مستقبلا مسلسل تكرار النزول إلى الشارع. ولازلت أكرر وأذكر, أن خيار اللجوء للشارع, لا بأس به كوسيلة للضغط, ولكنه مرفوض بتاتا وتماما كأداة للتغيير. لذلك, فإن على الحكومات أن تتفهم مطالب المتجمهرين وتتحقق من مشروعيتها, وتسعى بجدية الى إيجاد حلول للقضايا التي يطرحونها, وعليها ألا تقيس الاعتراضات بالمتر أو تزنها بالكيلو, فعظيم النار من مستصغر الشرر, والتاريخ يشهد أن أكبر الاحتجاجات وأضخم التظاهرات كان بذرتها عدد قليل من الأنفار!
صالح الغنام
salehpen@hotmail.com
“السياسة”