صراع الأقطاب، ونحن
أما بعد فنحن الآن، بفضل البعض منا، متدوكرين ومتدودهين ومنشدهين بعد، وأقصد بنحن المواطنين الكويتيين الذين يتفرجون على ما يحدث في الساحة من معارك وصراعات، ويكادون ينفجرون مما يسمعون ويقرؤون ويشاهدون، بل ويسألون بعضهم بعضا ما هذا الذي يحدث، وهؤلاء الذين يتناجرون ويتداحرون بالأوراق والقضايا والشواهد والبراهين والاثباتات، من منهم الصادق الأمين، ومن منهم الكاذب الأشر.
لماذا ظهرت فجأة تلك الصراعات الضخمة بين مراكز قوى كبيرة كان لها على الدوام صدر المجالس، والطائرات الخاصة، والسجاد الأحمر، والجواز الخاص، والعز والمعزة، والكلمة التي لا ترد، والاشارة بالاصبع الصغير ليتحقق ما يأمرون به، علاوة على كونهم من الأساس أهلاً وحبايب. لماذا هذا القتال الشرس بين من يأتيهم رزقهم رغدا من كل مصلحة، وهم جالسون في مزارعهم وشاليهاتهم يحتسون الشايات الحمراء والخضراء، أو منشكحين في قصورهم المنيفة يداعبون أبناءهم وأحفادهم.
هؤلاء الأثرياء ممن أفاء الله عليهم من فضله، وقسم لهم ان يكونوا ممن يولدون وفي أفواههم ملاعق من ذهب وفضة وألماس، ما الذي ينقصهم لكي يتصرفوا كما يتصرف الحرامية وقطاع الطرق والصعاليك وسقط القوم، فيمدوا أيديهم الى ما لا يحق لهم، ويستبيحوا خزائن الدولة لصالحهم، ويرضوا على أنفسهم أكل السحت والمال الحرام، ويأتوا بعد ذلك ليشغلوا فضاءنا بقصص فسادهم، وحكايات انتهاكهم للمال العام بلا حياء، من الله ان لم يكن من خلقه.قضية تتبع قضية، وحكاية تأتي بعد حكاية، وضجيج يأبى ان يغادر أرض الكويت وسماءها،
وعجيج يجد له طول الوقت مستقرا ومتاعا على أرضها، وهكذا تمضي حياتنا، لا يمر وقت الا وكانت هناك قضية كبيرة تشعل القتال والمعارك بين هذا الفريق وذاك، وينشغل بها الشعب ما بين مؤيد أو معارض لكلا الفريقين. لقد أصبحنا أسرى للقلق والضيق والتوتر بسبب ما يحدث، فدائما هناك أزمة، ودائما هناك صراع، يتمخض عنه آلاف الكلمات والعبارات التي تجد طريقها لأمخاخنا طول الليل والنهار، فالفضائيات تعرض، والجرائد تكتب،
ووسائل التواصل الاجتماعي تنقل، والمجالس تحكي، والفرد منا ضائع لا يعرف أي طريق يسلك، ومن يصدق، ومع من يقف.لم يعد لدى المواطن الكويتي تلك الثقة العظيمة فيمن يديرون شؤون حياته، وأيضا لم يعد المواطن الكويتي يرى ان الشيوخ أبخص،
بعد ان شخبط بعض الشيوخ بأيديهم على تلك الثقة بسبب سوء تصرفهم، وعدم امتلاكهم لحكمة، وذكاء الحكام الحاذقين ما أوصلننا الى كل ما نحن فيه الآن.نرفع أيدينا الى الله ان تنتهي تلك القضية بين الفريقين في أسرع وقت، وأن يكون النصر في النهاية للحق والعدالة، وأن يكفي الله بلدنا شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
عزيزة المفرج
almufarej@alwatan.com.kw
“الوطن”