ماذا تنتظرون؟!
صالح الغنام
حال العرب, كحال المذنب المحكوم بالإعدام, الذي يترقب برعب وصمت لحظة تنفيذ إعدامه. هذا بالضبط, هو أبلغ مثال يجسد عجز ووهن الدول العربية وهي تنتظر قرار تقسيمها إلى دويلات. والمصيبة أن سيناريو التقسيم لم يعد سرا, فمنذ أقصت اميركا شاه إيران, وأتت بالملالي ليحلوا محله, بدأت الصورة تنجلي شيئا فشيئا, وقد بلغ الوضوح مداه باستدراج »حزب الله« لإسرائيل لشن حرب على لبنان في العام 2006. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها, وقال حسن نصر الله قولته الظريفة: “لو كنت أعلم ما كنت بدأت”, أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس, أن الشرق الأوسط الجديد سيولد من رحم هذه الحرب. وبالفعل, صدقت رايس في وعدها, وتحققت نظريتها في ابتداع “فوضى خلاقة” في الشرق الأوسط, وكان أداة تحقيق الحلم الـ “صهيو أميركي” ملالي إيران, وحلفاؤهم “الإخوان”!
الآن, وبعد ترتيب احتلال “داعش” لأجزاء مهمة من العراق, صارت اميركا تلعب على المكشوف, وبات واضحا أن قرار تقسيم العراق جاهز ومطبوع, ولا يحتاج سوى إلى تنفيذ مجزرة دموية, وعدد من التفجيرات, وربما هجمات جوية وصاروخية, ومن بعد سيجلس الفرقاء إلى طاولة واحدة ليفضوا المظروف ويعرف كل منهم نصيبه من أرض الرافدين, تماما كما حدث في التقسيم الأول للسودان, وما سيتبعه من تقسيم ثان. إن المخطط الـ “صهيو أميركي” صار واقعا مشهودا, ولم يعد مجرد شائعات تتحدث عن احتمال تقسيم الدول العربية بدءا من العام 2020. فما يجري في ليبيا وسورية والعراق, كلها مؤشرات تدل وتؤكد ذلك, وقرار تقسيم مصر كان حتميا لولا سقوط “الإخوان”, وهذا لا يعني أنه تم صرف النظر عنه, وإنما تم إرجاؤه لظروف أفضل!
المخطط الـ “الصهيو اميركي” يتم تنفيذه في العلن وفي وضح النهار, وليس علينا نسيان ما نشرته صحيفة “وورلد تريبيون” على لسان رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الأسبق الجنرال هيو شيلتون, من استخدام اميركا لـ “الإخوان” لتفجير الأوضاع الداخلية في مصر ومن ثم تقسيمها, وكذلك زعزعة الاستقرار في البحرين, لتكون مدخلا لإثارة القلاقل في دول الخليج العربي وتمهيدا لتقسيمها. الأكيد أن اميركا لا تعبأ بأحد, إذ ورغم كل التقارير التي تنذر بنواياها القذرة, فهي لم تكلف خاطرها ولو بنشر تكذيب أو إرسال رسالة تطمين لأصدقائها وحلفائها العرب, وهي ربما لم تفعل ذلك, لأنها تمارس التآمر بمنتهى الشفافية, وبالتالي فإن محدود الفكر فقط, هو من يحتاج إلى نفي وتكذيب!
إزاء هذا كله, ماذا فعل الحكام العرب? هل سيكتفون بمشاهدة نصل السكين وهي تقطع أوصال بلدانهم? مستحيل, فهذا فعل الخونة والعملاء, ولو كانوا كذلك, لما واجهوا “الإخوان”, ولسمحوا لهم إتمام مهمتهم. تأكدوا, لو أن الحكام العرب نزعوا الخوف من قلوبهم, وأحسنوا استغلال مواردهم المالية, لتمكنوا من تجريع اميركا السم الزعاف. فاميركا أكثر الدول قابلية للتفكك واستعدادا لقيام ثورة جياع ومظلومين ومحرومين, فعدد الفقراء فيها وصل إلى 50 مليونا, والمشردين نحو مليون, و48 مليون اميركي بلا رعاية صحية, و75 مليون اميركي عاجزون عن سداد فواتيرهم, و4 مليون اميركي أشهروا إفلاسهم, واميركا أكثر الدول تعرضا للأزمات الاقتصادية, ويكفي أنها قبل شهور, أغلقت الدوائر الحكومية وأرغمت 800 ألف موظف على الخروج بإجازة غير مدفوعة… فهل بعد هذه الحقائق المغرية, وترتيبات احتلال “داعش” للعراق, سيصبر الحكام العرب على اميركا?!
salehpen@hotmail.com
“السياسة”