العلاج بالخارج.. من ألف ليلة وليلة!
حسن الهداد
سلامات يا أهل الديرة.. ما تشوفون شر!.. هذه العبارة نطقتها بألم عميق، وأنا بإدارة العلاج بالخارج برفقة صديقي الذي كان يقوم بإجراءات سفر والده الذي سيرسل إلى لندن للعلاج.
الأمر الذي شد انتباهي وأذهلني أثناء وجودي في إدارة العلاج بالخارج، هو مشهد الازدحام الشديد اللا منطقي، الذي ذكرني في أول أيام توزيع التموين بالمجان، وكأن معظم أهل الكويت مرضى، ومستشفياتنا لا تملك العلاج لأبسط الأمراض، فالمشهد المؤلم أثار حفيظتي وجعلني أوجه سؤالاً لأحد الموظفين عن سبب الازدحام الشديد في الإدارة؟!
فرد علي الموظف بابتسامة تحمل ملامح الشكوى، ومن ثم نطق قائلاً «يا أخوي.. يبدو أن ما عندنا مستشفيات! تدري كل يوم ننجز أعدادا هائلة من المعاملات للعلاج بالخارج لمرضى أمراضهم جداً بسيطة بأرقام لا تصدق خاصة في فترة الصيف والبركة ببعض النواب!».
طبعاً لم أستغرب من هذا الكلام أبداً، وأعتقد أن الكل أصبح شاهد عيان على هذه الحالات المرضية التي لا تحتاج إلى العلاج بالخارج، بقدر ما تحتاج إلى رحلات «للعلاج السياحي» يمتد إلى ستة أشهر وأكثر، ولكن كل ما بالأمر، أن العلاج بالخارج أصبح بمثابة مكافأة وتنفيع من قبل بعض النواب لمرضى علاجهم بسيط ومتوافر في مستشفيات الكويت، ولطالما أن أبواب العلاج بالخارج مشرعة، فالأولى إرسال المرضى الذين يشكون من أمراض مستعصية ومزمنة وهم كُثر، ومعظمهم مازالوا يعانون ويتألمون على أسرّتهم في أجنحة المستشفيات الحكومية، مشكلتهم الوحيدة أنهم لا يعرفون كيفية الوصول إلى أبواب نواب الأمة لإنجاز معاملاتهم للعلاج بالخارج! بالعربي، ناس جداً بسطاء في علاقاتهم الاجتماعية مع الآخرين.
لنقف هنا لحظة.. ما دام الضوء الأخضر ينير بوابات العلاج بالخارج، والدعوة باتت «سفري» فمن الأولى على النواب زيارة المستشفيات ليروا الحالات المرضية المأساوية التي فعلاً تستحق العلاج بالخارج، بدلاً من إرسال «الأهل والربع والناخبين والمتعهدين» للعلاج السياحي لتضخيم أرصدتهم! و»اللي يبي يزعل من كلامي فليزعل، فالمرضى أولى وأهم منكم»!.
قد يفهم أصحاب العقول السطحية، أنني ضد العلاج بالخارج، وهذه النظرة غير صحيحة، بل أنا مع إرسال المرضى الحقيقيين الذين يستحقون صرف هذه الأموال على عافيتهم وليس على العلاج السياحي، ولكن للأسف هذه مصيبة العقول التي تهاجم الحق فقط لأنها مستفيدة من فوضى الواسطات التي تخلط الحابل بالنابل، أي المستحق وغير المستحق.
بالنسبة لي.. لو يتم دفع نصف ميزانية الكويت لعلاج المرضى الذين يعانون أمراضا مستعصية لا يوجد لها علاج، فأنا سأكون أول مؤيد لمثل هذا القرار، ولو تم استقطاع نسبة من راتبي من أجل علاج هؤلاء المرضى، حتماً سأكون راضياً وسعيداً بمساهمتي البسيطة لهم، ولكن حقيقة الأمر أن حال العلاج بالخارج اليوم يشعرني بالخوف، لأن هذه الميزانية يفترض أنها مخصصة للمرضى وليس للتنفيع والسياحة، وخاصة أن هناك مرضى حقيقيين يعانون أمراضا خطيرة يتم رفض إرسالهم للعلاج بالخارج من قبل بعض اللجان المختصة، وبعضهم لجؤوا إلى لجان التظلمات وأنصفتهم!.
سؤالي.. أليس هذا حراما وظلما عندما يذهب «الصاحي» للعلاج بالواسطة، والمريض الحقيقي يتألم داخل أجنجة المستشفيات ولا يجد من يسمع إلى شكواه.. والشكوى لله! أين أنتم يا أصحاب الضمائر الحية من هذا العبث.. هل يعقل السكوت عن هذه المشاهد المؤلمة؟!
لابد من وقفة جادة أمام هذه الفوضى، إلى درجة أن أصبح العلاج بالخارج كحكايات ألف ليلة وليلة!.
هذا النقد من أجل تصحيح مسار بعض المسؤولين.. ونسأل الله الشفاء العاجل لكل المرضى.
“الكويتية”