لن نكون «حطب دامة»
راكان بن حثلين
نادرا ما نجد حاكما يصارح شعبه، كالصراحة التي خاطب بها سمو الأمير أبناءه الأربعاء الماضي، ويشرك شعبه في تحمل المسؤولية، مسؤولية تقتضي من الجميع اعادة النظر في ممارساتهم وسلوكياتهم، وجلد الذات قبل جلد ذوات الآخرين، وإيثار مصلحة الكويت على كل ما عداها.
واذا كنا نشعر بالاستياء مما شهدته البلاد خلال السنوات الأخيرة، من تدهور طال مختلف المجالات، والريبة مما يجري على الساحة السياسية، فان سمو الأمير عبر عن ذات الشعور عندما قال سموه «تابعت ببالغ الاستياء والقلق والحزن الشديد ما شهدته البلاد مؤخرا من توتر ولغط وسجال وادعاءات حول وقائع تشكل ان صحت جرائم خطيرة لا يمكن السكوت عليها أو التهاون بشأنها».
ولاشك أن من حق كل مواطن المطالبة بكشف الحقائق، ومحاسبة كل مفسد، ولكن دون الخروج على الأطر التي رسمها الدستور والقانون، ودون بناء القناعات على اشاعات أو مستندات وتصريحات قد يثبت من خلال القضاء بطلانها أو زيفها.
في السابق، كان من واجبنا الضغط على الحكومة وعلى مجلس الأمة من أجل احالة كل القضايا المثارة على الساحة الى القضاء، من أجل الفصل بين الحق والباطل، ومحاسبة كل من يثبت أنه تآمر على الكويت، واستولى على أموالها بغير وجه حق، أو ضلل وخدع الشعب الكويتي، وأدخل البلد في أزمة خطيرة بناء على مستندات ومعلومات غير صحيحة، وكانت ردة الفعل الشعبية حينذاك مطلوبة، بل ومستحقة في حدود الدستور والقانون، أما الآن، وبعد ان أصبح الملف تحت نظر القضاء، ويحظى باهتمام سمو الأمير، فيجب أن نقف عند هذا الحد، وننتظر الكلمة الفصل من قضائنا الشامخ، الذي نعول عليه جميعا بأن يكون الحصن العصي على الفساد والمفسدين.
ويجب ألا نغفل عن مضامين مهمة تطرق لها خطاب سمو الأمير، مضامين يجب ان نقف عندما ونتمعن فيها، لنستوعب حجم المخاطر التي تحدق بالكويت، ولا سيما بعد ان أكد سمو الأمير وجود مخطط مدروس واسع النطاق يهدف الى هدم كيان الدولة ودستورها وتقويض مؤسساتها وزعزعة الامن والاستقرار فيها وشل أجهزتها ونزع ثقة المواطنين في مستقبل بلادهم واضعاف الوحدة الوطنية وتمزيقها حتى تصبح الكويت لا قدر الله لقمة سائغة وفريسة سهلة للحاقدين.
واليقين الثابت لدى سمو الأمير «بأن كويتنا الغالية بأهلها الأوفياء عصية على كل من أراد بها سوءا»، يجب ان يقابله صحوة وطنية تتضافر فيها الجهود المؤسساتية والشعبية، لاعادة الأمور الى نصابها الصحيح، ولجم كل الأفواه التي تنشر بذور الشر بين أبناء الكويت، وتسعى الى تدمير مؤسساتها.
عندما يؤكد سمو الأمير أنه «لن يكون هناك أي تهاون أو تساهل تجاه من يثبت ضلوعه في جرائم الاعتداء على المال العام أو التكسب غير المشروع أو غيرها من الجرائم»، فيجب أن نفرح بهذه الضمانة، ونثمنها عاليا، ونقف عند هذا الحد، لأننا لن نسمح لأحد أن يجعلنا «حطب دامه» نتحرك بما يخدم بعض أجندات دون أن نشعر.
علينا أن نستشعر حجم المخاطر التي تحيط بنا، في ظل اشتعال المنطقة بالأزمات، وتحول بعض البلدان المحيطة الى ساحة صراع تغرق بدماء الطائفية، وتزهق فيها الأرواح وتهتك الأعراض، وكل طرف يدعي الملائكية ويحمل خصومه ذنب الضحية.
اننا الان أحوج ما نكون الى التكاتف والتلاحم والوقوف صفا واحدا للنجاة من هذه الأخطار التي عصفت وتعصف بمن كانوا أكثر قوة وأعز نفرا.. اننا الان لا نملك ترف الخلاف والانقسام والجدل العقيم والألاعيب السياسية الخاصة بينماسمو الأمير دق ناقوس الخطر، عندما قال ان «الكوارث على الأبواب» وأن العاقل من اتعظ بغيره، وحذر من أن «أمن الوطن واستقراره وسيادة القانون واحترام القضاء فوق الحريات وقبل كل الحريات»، وأمام هذه الرسائل الواضحة يجب ان ندرك أن الظروف الاقليمية والأمنية لا تحتمل التفريط بضمانات حماية أمن البلاد واستقرارها، من أجل ما عبر عنه سمو الأمير بـ«الترف السياسي».
فالحرية والمسؤولية صنوان لا يفترقان والا فسوف تكون الفوضى بديلا للحرية ويكون الدمار بديلا للبناء ويحل الجدل والصراع بديلا للحوار والانجاز.
نعم يا سمو الأمير «لا خير في حرية.. تهدد أمن الكويت وسلامتها»، ولا خير فينا ان لم نكن لك العون والجند والسند لحماية الكويت، حمايتها من ممارساتنا، ومن شياطين الداخل قبل شياطين الخارج.
“النهار”