عصا موسى
على طريقة أتوكأ عليها، وأهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب أخرى، دخل المستشارون القانونيون العرب الى حياة أغلب ان لم يكن جميع المسؤولين عندنا، في جميع أماكن العمل في الدولة، وبينما لم يكن لهم وجود في السابق بهذه الكثرة هلوا علينا في السنوات الأخيرة كما يهلّ المطر، وانكتّوا عالديرة مثل النون، ودخلوا أو أدخلوا، في نظام العمل دخولا ظافرا مؤزرا بحيث أصبح بعضهم عصا لكل مسؤول، يتعامل بها كما تعامل سيدنا موسى عليه السلام مع عصاه، فمن ناحية يضعون للمسؤولين صيغ القواعد والتعاميم،
ويضبطون لهم القرارات والارشادات، ومن ناحية يبحثون لهم عن مخارج ومنافذ انقاذ اذا وقعوا في خطأ قانوني أو اداري يهدد موقفهم أو مركزهم، ومن ناحية ثالثة يستفيد بعض المسؤولين من بعض المستشارين في تسليك وتضبيط بعض الأمور الشخصية كالحصول على شهادات جامعية لهم أو لأقربائهم من بلد هؤلاء المستشارين بمساعدة منهم، أو تسهيل شراء شقة أو أرض،
دع عنك الدخول في بزنس مشترك وصفقات تنفع الطرفين، الى غير ذلك من أمور. بالتالي لا عجب ولا غرابة اذا تساهل بعض المديرين الكويتيين مع مستشاريهم العرب الى أقصى حد، وتركوا لهم الخيط والمخيط يفعلون ما يشاءون، وسبّلوا لهم الادارة بما فيها، وجعلوهم الآمر الناهي في المصلحة، ولا غرابة اذا استغل هؤلاء تلك الفرصة الثمينة التي قد لا تسنح لهم في بلدهم لحصد المكاسب المادية والمعنوية لهم ولمن يعزّ عليهم، على ظهر المواطن الكويتي البسيط الذي مهما اشتكى،
لا يسمع شكواه أحد، ومهما تكلم لا يلتفت لكلامه أحد. هذه المهانة، ان تكون في بلدك ويكون الغريب هو المتحكم في شأنك، وأن تكون في بلدك ولا تكون يدك هي العليا، وان تكون في بلدك ويضيع حقك، هذه المهانة لا يرضاها حرّ على نفسه، ويجب ألا ترضاها سلطة على شعبها، ولا ان تقبل بها حكومة على أبناء وطنها، ولكن هذا الحاصل للأسف الشديد، وفي وزارات وهيئات كثيرة يمشي كلام المستشار والموظف الوافد وان جانبه الصواب،
ولا يمشي كلام المواطن وان كان الحق معه، بعد ذلك، هل نندهش ونتعجب اذا انتشر الفساد بهذا الشكل، وصارت الرشوة والابتزاز وضياع الحقوق، من الأمور العادية على الرغم من أننا لم نكن نعرفها قبل ان ينتشر هؤلاء عندنا بهذا الشكل الكبير، ويصبح بعضهم هو الآمر الناهي في ادارته، واللاعب الأساسي من خلف الستار في ظل تخاذل المديرين المعنيين، خاصة الذين وصلوا الى مراكزهم لا عن قدرة وكفاءة وانما بسبب الواسطات والمحاصصات،
فنجدهم عاجزين حتى عن كتابة جملة من عشر كلمات، دع عنك ان يسطروا تقريرا أو قرارا أو محضرا لاداراتهم.الكويتيون، في الحقيقة، لا يديرون أمور بلدهم بأنفسهم بشكل كامل، وبالتالي فالكويت لا تملك أمر نفسها، وهو أمر يتعارض مع مفهوم الحرية، ومن المؤسف ان نرضى عليها بذلك.
عزيزة المفرج
almufarej@alwatan.com.kw
“الوطن”