ثورات مصر.. وربيعنا الكويتي!!
من يقرأ التاريخ يعلم جيداً ان الشعوب هي التي تخط طريقها نحو المستقبل بنفسها، انها هي التي تتحمل مسؤولية واقعها بكل أشكاله وهذا ما أكدته كتب التاريخ سواء القديم أوالمعاصر، ثم أكدته حوادث ومجريات الأمور التي نراها، فالتاريخ يكتب اليوم أمام اعيننا.. فيوم أمس الأول حلت ذكرى 30 يونيو عندما قرر الشعب الخروج على حاكمه الذي كان صاحب «جماعة أهلي وعشيرتي»، وليس رئيساً لدولة مؤلفة من ملايين المواطنين! وعندما خرج الشعب فانه التزم تماماً بألا يعود، وقد أزاحه عن سدة الحكم هو وجماعته التي عاثت فساداً وتسلطاً وحاولت ان تدمر كل مقومات مؤسسات الدولة وهو أمر لم يقبله الشعب الذي كان يراقب كل ممارساتهم، وكل محاولاتهم للاستحواذ على الدولة وعن طريق الفساد، فساد في تعيينات بالمئات من دون استحقاق، فساد في الاستحواذ على شركات بوسائل ضغط رهيبة وتسببوا في انقسام مجتمعي مخيف كان استمراره سيؤدي الى كارثة حقيقية.. لولا صمود الشعب المصري ودفاعه عن وجوده.
٭٭٭
وكانت وقفة 30 يونيو التي وقفها بصمود شعب مصر كله هي التي أجبرت العالم كله- فيما بعد- على تأييد «خلعهم» لرئيسهم الذي كان «رئيساً لجماعة» لا لمصر.. وللأسف هذه الجماعة لم تتعلم من التاريخ شيئاً، فقد سبقهم نظام «مبارك» والذي امتدت جذوره لأكثر من 30 سنة، وبعد استحواذ قلة من تجار السياسة من رجال أعمال وتزاوجهم مع السلطة وسيطرتهم على وسائل الاعلام، تعمد عمل نوع من الاقصاء لجماعات المعارضة سواء بعزلهم شعبياً أو التشهير بهم وتجريحهم، وأيضاً بمنعهم سياسياً من خلال تزوير الانتخابات والسيطرة على مجلس الشعب والنواب، وظهرت قضايا فساد عديدة تكشف عن ارتباط هؤلاء التجار بالسلطة.
وبعد ان ساهم الاعلام في الخداع والتدليس ونقل بتجاسر غريب تصريحات وهمية وردية عن مستقبل الدولة مع الرئيس، الذي راح يحتمي بأغلبية مزيفة، سرعان ما سقطت أمام اول اختبار حقيقي وأعني به الانتفاضة الشعبية في 25 يناير 2011.
٭٭٭
هذه الدروس المستخلصة من الثورتين اللتين قام بهما شعب مصر في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 هما مثالان حيان عشناهما بكل تفاصيلهما.. كانت هناك أقلام صادقة وطنية حذرت من مغبة ما سوف يحدث، وللأسف لم يستمع اليها أحد من أركان النظام السابق، سواء نظام (حسني او مرسي) مع حاشيتيهما لأنهما كانا مشغولين بالاستيلاء على مقدرات البلاد والعباد، وللأسف بعد فوات الآوان طلب حسني مبارك – ومرسي من بعده – وقبل طردهما من قصر الاتحادية، طلبا مقابلة المعارضة والتشاور مع الأقلام الوطنية الصادقة وبدأا يقدمان التنازلات واحدا تلو الآخر ولكن بعد ماذا؟ بعد ان ازهقت ارواح الشباب وبعد ان سلبت حقوق الناس وبعد ان استحوذ تجار السياسة على مقدرات الوطن وبعد ان بدأت عمليات تكميم الأفواه باغلاق الصحف والقنوات، وبعد اطلاق قانون الطوارئ وبعد اذلال الشعب وتزوير الانتخابات.
٭٭٭
بعد كل ذلك.. لا عودة للشعب الى الوراء، وكان لابد ان يدفعوا الثمن وكان اول ثمن غال يدفعه النظام هو انه عندما واجهه الشعب وجد ان المرتزقة من تجار السياسة اختفوا وهربوا كالمذعورين وأن الاعلام لم يعد قادراً على استمرار تغطية كاذبة للأحداث المتسارعة، كما ان كتاب السلطة هربوا ومن هندسوا الانتخابات وزوروها ورجال الاعمال فروا هاربين، هكذا كان المشهد.. لهذا فان 23 يناير 2011 و30 يونيو 2013 يجب ان تكونا «ذكرى» تذكر الجميع بما حدث، حتى يستخلص منها العبر، والعظة مع اختلاف الأنظمة.. ونحن نحمد الله اننا هنا في الكويت تختلف تماماً فلدينا نظام «سمح» «متحاب» «رحيم» يؤمن بالديموقراطية وينظر الى جميع الكويتيين بنظرة أبوية واحدة ويقف من الجميع بمسافة واحدة، ولكن لكي تستقر الدولة وتنهض ولكي يشعر المواطن بالولاء والترابط لنظامه ولأرضه يجب ان يشعر بان هناك قياديين أقوياء في الدولة على قدر المسؤولية أمناء على أموال الشعب ومصالحه، فقد عزل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض ولاته وقام بعذره في الناس فقال (اني لم اعزله عن سخطه ولكني أريد رجلاً أقوى من رجل)، فعمر رضي الله عنه كان شديد المحاسبة لعماله فكان يكتب أموالهم عندما يوليهم، ثم يشاطرهم اياها اذا رابه شيء من امرهم.
٭٭٭
لهذا نحن كمواطنين اليوم نشعر بغصة ما بعدها غصة بعد تزاوج رجال المال والاعمال تجار السياسة مع السلطة واستحواذ مقدرات البلد ومع اعلام مسخّر لهم يرسم الاحلام الوردية بكل زيف وتدليس ومع فساد مستشرٍ في كل المؤسسات لهذا لن تنصلح امور العامة الا باصلاح القيادات من الرؤوس اليوم نحلم باطاحتها حتى نستكمل ربيعنا الكويتي والذي بدأ منذ تأسيس دولة الدستور 1962.
.. والعبرة لمن يتعظ!!.
منى العياف
alayyaf63@yahoo.com
twitter@munaalayyaf
“الوطن”