“المشنص”!
“المشنص”… تعني في اللهجة المحلية, الإنسان المحظوظ, الذي غالبا ما تنتهي أموره إلى خير ونيل فوز عظيم, من دون فضل منه أو جهد يبذله. وقد عرفت في حياتي عددا غير قليل ممن حظهم يفلق الصخر, وأذكر من بينهم, اثنين, كانا الأبرز حظا والأوفر نصيبا والأعظم ربحا في كل مجال دخلوه أو اقتربوا منه. فالأول, وكنيته “بوعيسى” ما دخل مسابقة أو اشترك في سحوبات على كوبونات المشتريات والعروض التسويقية إلا وحاز الجائزة الكبرى, أو التي تليها متى تعثر حظه وانكسر بخته. وقبل سنوات, قلت ل- “بوعيسى”: سأحصل على قرض من البنك, وسأبيع جزءا من معاشي أثناء الخدمة, وسأسلمك المبلغ كاملا, على أن تشتغل بالأموال في البورصة, ونقتسم الأرباح مناصفة ولكن, حسبي الله عليه, فقد كسر بخاطري, ورفض بشدة, لأنه يرى في البورصة لاس فيغاس الكويت, وهو لا يقبل على نفسه الأموال الحرام!
نسيت أن أقول لكم, أن “بوعيسى” كان متأثرا بأفكار “حزب التحرير” المعروف بتشدده في شأن الخلافة, وانفتاحه في معظم الأمور الدينية الأخرى. ولكن, سوء حظي أوقعني بشخص “تحريري”, متشدد في كل شيء. “المشنص” الثاني, كنيته “بوسالم”, وهو رغم بلادته وجهله كموظف, إلا أنه ارتقى أعلى المناصب وبشكل كسر جميع قرارات ديوان الخدمة المدنية, فكان أن توفي المسؤول الأعلى وهو في ريعان شبابه, ومن ثم اجرت جهة العمل تغييرا شاملا للهيكل الوظيفي, ثم انتقل أبرز وأهم الموظفين إلى جهات أخرى لحصولهم على فرص أفضل, وفي كل حدث من هذا النوع, كان “بوسالم” يحصل على ترقية ومسمى جديد, إلى أن أصبح الآمر الناهي في تلك الجهة. وحين غزا الأميركان العراق وعمت الفوضى فيه, طلبت من “بوسالم” التوجه إلى بغداد أو البصرة, ولما سألني ما الذي سيفعله هناك, قلت: لا شيء, فقط اجلس على الرصيف, ومؤكد أن مظاهرة ستمر أمامك, وسيحملك العراقيون على أكتافهم وينادون بك رئيسا للعراق!
ومما قرأت في قصص التاريخ, أن الخليفة العباسي المعتضد بالله, كان إذا رأى ابن الجصاص – وهو من أغنى الناس في زمانه وأكثرهم ثراء – يقول عنه: هذا أحمق مرزوق. وكان ابن الجصاص معروف بحظه الواسع, وفي يوم, وبعدما شعر بالملل لكونه محظوظا, قال لمن حوله: تمنيت أن أخسر ولو لمرة واحدة. فقيل له: اشتر التمر من الكوفة, وبعه في البصرة, وكانت البصرة معروفة بكثرة نخيلها وجودة تمرها, بعكس الكوفة. وهم بهذا كأنهم يطلبون منه بيع الماء في حارة “السقايين” كي يضمن الخسارة. ففرح ابن الجصاص بهذه النصيحة, واتجه إلى الكوفة لشراء جميع تمرها, ولما دخل البصرة, فوجئ بالناس يتسابقون إليه ويتقافزون على قافلته لأخذ كل ما فيها من تمر. ولما استغرب ابن الجصاص فعلهم المجنون. قيل له: أن نخل البصرة لم يحمل هذا العام. فعاد ابن الجصاص إلى دياره, وقد تضاعفت ثروته عشرات المرات… جعلنا الله وإياكم, من المرضيين والمحظوظين!
صالح الغنام
salehpen@hotmail.com
“السياسة”