سحر الكراسي
بكل أنفة ورقي وكبرياء تخلى الملك فاروق عن عرش مصر، ولم يرض ان يدخل في معركة تسيل فيها دماء شعبه، وغادر وطنه الى ايطاليا بكل هدوء لتتحول مصر بعد ذلك الى النظام الجمهوري، وليبدأ حكم ضباط لم يستطع أي منهم ان يحكم مصر كما فعل ملوك أسرة محمد على.
نفس الموضوع حدث في ليبيا التي غادرها الملك السنوسي منفياً، بعد انقلاب معمر القذافي الذي حكم بلده بالحديد والنار، ولم تكن ليبيا في عهده أفضل مما كانت في عهد الملك محمد ادريس السنوسي الذي لم يتشبث بالحكم هو الآخر، وترك العرش بهدوء صوناً للدماء. في العراق كان الوضع مختلفا، فلم يتسن لملك العراق ان يتنازل عن العرش، فقد قتل هو وأسرته بمذبحة وحشية لم يكد ينجو منها أحد، ومن يومها والعراق غارق في بحور الدم، ولا يصحو الا على انقلاب يتبع آخر،
وكل انقلاب يأتي برئيس اما سفاح واما جزار وصولا الى حقبة صدام حسين الذي استطاع ان يحكم العراق بيد من حديد مدة ثلاثين عاما، ولم يتمكن كائن من كان من اختطاف كرسي الحكم منه الى ان ارتكب خطيئة غزو الكويت، وما تلا ذلك من أحداث. صدام حسين منح فرصة ترك العراق هو وأسرته وحاشيته وأمواله فبتنازله عن السلطة يحقن دمه ودماء أهله وشعبه ولكنه رفض العرض رفضا قاطعا، وعض على كرسي الحكم بالنواجذ، فكانت النتيجة ان قتل هو وابناه، ودمّرت العراق كلها بسبب ذلك.
يعود الأمر ليتكرر مرة ثانية مع ليبيا القذافي، وسورية الأسد، بعد ثورات الربيع العربي وها هما الدولتان تعيشان معارك مستمرة بسبب التشبث بالحكم، ونفس الأمر يحدث في العراق، مع رئيس وزرائها الذي أتى على أنقاض حكم صدام حسين الدكتاتوري الظالم، وبدل ان يتعظ من سلفه، ويقيم دولة العدل والانسانية، نجده يسير على نفس خطى الرئيس السابق، ويرتدي رداء الظلم والدكتاتورية، فيضطهد أهل السنة في بلده ويهجّرهم ويقصيهم،
والأسوأ من ذلك ان يفتح أبواب بلده لايران تفعل فيها ما تشاء. المالكي رجل اتفق السنة، والمنصفون من الشيعة، على سوء ادارته للبلاد، فقد غلبت طائفيته حس العدالة والانصاف عنده، وبدلا من ان ينقل العراق ليضعها على قائمة الدول الناجحة والمتقدمة بكل ما تملك من ثروات،
أغرقها أكثر وأكثر في بحر الحروب الطائفية، والقتل المتبادل، ووجدناه يستدعى حدثا اسلاميا قديما صار من التاريخ، ويتخذه نبراسا يستعين به على كيفية التعامل مع أهل بلده من الطائفة السنية، وها هي معركة صفين تشتعل في العراق بمساعدة من ايران وحزب الله من أجل اخماد ثورة عراقيين كل ذنبهم أنهم فاض بهم الكيل، وملوا من اقصائهم،
واعتبارهم كما مهملا، وناس (مالهومش لازمة). المالكي مثل صدام، مثل الأسد مثل غيرهم من حكام التصقوا بكراسيهم لا يريدون عنها فكاكا حتى لو راحت مقابل ذلك آلاف وملايين الأرواح، وللأسف ان هؤلاء وأمثالهم لا يرحلون الا بالموت، فهل تساوي السلطة ان يفقد الانسان حياته مقابلها.
عزيزة المفرج
almufarej@alwatan.com.kw
“الوطن”