مقالات

طعم وحكمة!

صالح الغنام

لو استعنا بخبرات أكبر محلل سياسي عالمي, وطلبنا منه إيجاد تفسير يكشف سر غرام الكويتيين ب¯ “التشريبة”, لعجز المحلل عن فك شيفرة ذلك العشق السرمدي, ولفشلت كل محاولاته في التحليل والتنظير, ف¯ “التشريبة” هي أسهل وأبسط طبق اخترعه البشر, ومكوناته عبارة عن مرق يراق فوق خبز, وصلى الله وبارك, أي لا كيمياء فيها ولا تكنولوجيا, ومع ذلك, لا ينفك من يتناول هذه الأكلة عن ترديد عبارات مثل: “ماكو على التشريبة”, “الله, الله, على التشريبة”, “يا عيني على التشريبة”… وهكذا, من غزل, حتى يظن السامع أن “التشريبة” أحد أطباق وليمة العشاء الأخير, الذي تناوله السيد المسيح, قبل أن يخونه تلميذه يهوذا, ويسلمه إلى اليهود مقابل 30 قطعة من الفضة!

طبعا, لا سر في “التشريبة” ولا هم يحزنون, والأمر كله يتعلق بارتباط هذا الطبق بشهر رمضان, بدليل, أن معظمنا, وبمجرد انتصاف الشهر الفضيل, يبدأ بالتململ من هذه الأكلة والصد عنها. إذاًَ, الأمر محض نفسي, ولا علاقة له بلذة الطعم, أو بمهارة من أعد “التشريبة”, وهذا الشعور النفسي, ينسحب على ثلاثة أرباع من يمتدحون طبخ أمهاتهم, مع أن طبخ أمهاتهم, “الله يزيد النعمة”! وكما أن للأطباق الموسمية التي ترتبط بمناسبات معينة, حكمة, تجعلنا نستشعر معها لذة, قد لا تكون موجودة فيها أصلا, فهناك أيضا حكمة للأطعمة التي تبيعها المطاعم, وتجعلنا نشعر أنها ألذ طعما وأكثر تشويقا من أكل البيت.

معلوم, أن معظم المطاعم تشتري أرخص المكونات الغذائية وأقلها جودة, وأكثر المطاعم, لا يلتزم بالحد الأدنى من النظافة, ومع ذلك, تشهد إقبالا منقطع النظير. وفي منطقة شرق, هناك مطعم شهير لبيع الفول والفلافل, معروف بوساخة طاولاته وأوانيه وعماله, وبصراصيره التي تستقبل الزبائن بالتحليق فوق رؤوسهم, ورغم أن البلدية تغلق هذا المطعم لمدد تتراوح بين شهرين وثلاثة اشهر كل عام, إلا أن الناس ينتظرون إعادة افتتاح المطعم بفارغ الصبر! والحكمة هنا واضحة ومفهومة, فرواج المطاعم, وتميز طعم أكلها – رغم رداءة مكوناته – يعود لكونها أبواب رزق فُتحت لإعاشة آلاف الأسر ممن يعمل أبناؤها فيها. إنها حكمة الرب, الذي جعل ببركته لأكل المطاعم نكهة, تعجز أشطر ربات البيوت عن مجاراتها.

“ملاحظة: ذوقيا, كلنا نجامل زوجاتنا وأمهاتنا حين يسألننا: هاه, أيهما أفضل, أكلنا أم أكل المطعم? فنقول كذبا ونفاقا: أكلكن طبعا… وفي اليوم التالي, نطلب الأكلة نفسها من المطعم”!

salehpen@hotmail.com

“السياسة”

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.