مقالات

العالم بين حربين عالميتين

سامي النصف

مرت علينا قبل مدة الذكرى المائة لقيام الحرب العالمية الأولى التي ذهب ضحيتها ما يقارب 20 مليون انسان والتي زرع مؤتمر الصلح اللاحق لها بذور الحرب العالمية الثانية التي ذهب ضحيتها 50 مليون إنسان بسبب شروط الإذلال والإذعان التي فرضت على ألمانيا، وقد لا يعلم البعض ان دول العالم قد انقسمت في الحرب الأولى الى تحالف ضم روسيا وأميركا واليابان والصين وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا ومعهم أغلب الدول الأوروبية الصغيرة قابلهم محور ألماني ـ نمساوي ـ تركي، وكادت دول المحور ان تنتصر رغم الفارق العددي الكبير إلا ان دخول أميركا الحرب حسمها لصالح الحلفاء في الأولى ومرة أخرى في الثانية.

>>>

ويروج البعض خاطئا في منطقتنا ان تلك الحرب لم تقم إلا لإسقاط الدولة العثمانية واقتسام تركتها، والحقيقة كالعادة أبعد ما تكون عن تلك المقولة، فالدولة العثمانية سقطت قبل بداية الحرب بسنوات أي في عام 1908 لصالح حكومات الاتحاد والترقي التي عزلت السلطان عبدالحميد، كما اقتسمت الدول الكبرى وحتى الصغرى أملاك رجل أوروبا المريض قبل تلك الحرب الكونية، فقد خرجت مصر ودول شمال افريقيا من أملاك الدولة العثمانية لصالح فرنسا وبريطانيا وايطاليا، كما انتصرت جيوش اليونان وبلغاريا وصربيا والجبل الأسود على الجيوش التركية قبل الحرب، ونالت استقلالها وطرقت أبواب الأستانة، لذا لا يعقل الاعتقاد بأن الحرب الكونية الأولى لم تقم إلا للسيطرة على أرض الشام والعراق الساقطة لا محالة بسبب الضعف الشديد لجيوش الدولة التركية قبل ان يتولى قيادتها لاحقا الذئب الرمادي كمال أتاتورك.

>>>

والحقيقة ان أسباب نشوب الحرب العالمية الأولى شديدة التعقيد بعكس أسباب بدء الحرب العالمية الثانية السهلة نسبيا، فقد سبقت الحرب الأولى حروب عدة وتحالفات وأزمات وأخطاء جسام على رأسها رغبة النمسا في إذلال صربيا، ولولا ذلك لذهبت عملية اغتيال ولي عهد النمسا الذي كان في عداء شديد مع والده الامبراطور دون تبعيات، ومعروف ان من قام بالاغتيال الذي كان بمثابة الشرارة التي أشعلت الحرب هي منظمة الشباب البوسني (مالادا بوسنيا) وذراعها السرية، الكف الأسود، الذي ضم 7 شباب مؤمنين بمشروع صربيا الكبرى التي تضم البوسنة وكان من الشباب الذين أعدوا عملية الاغتيال محمد محميد والذي نفذها جافريل برينسب الذي لم يعدم لصغر سنه.

>>>

آخر محطة: 1 ـ من يعتقد ان دولنا هي التي قُسمت وتغيرت خرائطها بعد تلك الحرب فعليه ان يراجع نفسه، فقد تغيرت خرائط الدول الأوروبية بعد تلك الحرب ومرة ثانية بعد الحرب العالمية الثانية، وفي العدد الأخير لمجلة «الايكونومست» البريطانية تقرير خاص عن پولندا وضمنه كيف تغيرت خريطتها بشكل جذري خلال القرن الماضي.

2 ـ الفارق بين شعوبنا والشعوب الأخرى انهم يقبلون حقائق الحياة ويتعاملون بإيجاب مع «فقه الواقع» ويمضون قدما للامام بينما نبقى نحن نعيش في الماضي لندفع حاضرنا ومستقبلنا ثمنا له.

samialnesf1@hotmail.com

salnesf@

“الانباء”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.