مقالات

خصره نحيل… بطنه عليل!

صالح الغنام

شعرت بالملل, وأنا أشرح له أن ليس بالضرورة أن يصاب المرء بالسمنة جراء شراهته في الأكل, إذ قد يكون السبب جينات وراثية, أو اضطراب هرمونات, أو خلل في الغدد, أو كسل وقلة حركة, أو ربما بسبب نوعية الطعام ذاته, الذي قد لا يتوافق مع بعض الأجسام, وهذه كلها أسباب شائعة ومعلومة, فلماذا تصر على قولك ان كل سمين, إنما همه على بطنه؟ كان هذا الحوار, مع شقيق صديقي الخائن, الذي أجرى قبل ثمانية اشهر عملية تحزيم للمعدة, فقد خلالها أكثر من نصف وزنه. فبدا حين رأيته وهو هزيل, بلا “زنود” أو خدود, والدشداشة تهفهف به, كأنه مصاب بالمرض “الشين” – وقانا الله وإياكم شروره – وأنا أصف شقيق صديقي بالخائن, لأنه باع سمنته, وتخلى عن نضارته, فقط كي يتمكن من تحقيق حلمه منذ الصغر, بوضع ساق فوق أخرى!

لست عدوانيا بطبعي, ولكنني هذه المرة قسوت على شقيق صديقي, ورحت أعدد مناقب وفضائل السمنة وانعكاسها على أخلاقيات وسلوكيات الأشخاص البدناء. فقلت: إن السمنة دليل على أن المصاب بها شخص يثمر فيه الخير, ويُقدر النعمة, لذلك تظهر عليه آثارها, بعكس النحيل, الذي لا تدري أين يذهب طعامه وشرابه, وكأن معدته “قربة مخرومة” لا يستقر فيها الخير أبدا. وبعيدا عن خفة الظل واللطف والطيبة والوداعة والعواطف الجياشة التي يمتاز بها غالبية الأشخاص السمان, فيستحيل – أو من النادر جدا جدا – أن تجد من بينهم, سمينا يتسم بالبخل, وإن حصل ووجدت, فاعلم أنه “سمين مغشوش”, أو طارئ على السمنة, كأن يكون أصابه انتفاخ مفاجئ, جعله يبدو من ناحية الشكل, كسمين أصلي أبا عن جد!

ولأن الإقناع لا يكتمل إلا بتخيل العيش في تجربة واقعية, قلت لشقيق صديقي: لنفترض أنك سافرت إلى بلد ناء, بوليفيا مثلا, وهناك تعرضت للسرقة, ولم يترك لك اللصوص سوى جواز السفر وتذكرة الطائرة, ولأنه لا سفارة لبلادنا هناك, ولا وجود لمن يمدك بالمال, فقد طردك صاحب الفندق, ولكنه سمح لك ان تستقل الباص مع النزلاء المتجهين إلى المطار. وعند “كاونتر” المسافرين, أبلغك الموظف أن تذكرتك غير صالحة للسفر على الطائرة المتجهة إلى قطر, وأنه يتوجب عليك دفع 100 دولار أميركي لتعديل وجهة السفر, وليس أمامك سوى 5 دقائق على موعد إغلاق الكاونتر! فما الذي ستفعله, وموعد رحلتك الأصلي بعد ثلاثة أيام؟ الطبيعي, انك تشحذ المال, طيب, بمن ستبدأ, ولمن ستلجأ وفي المطار نحو ألف شخص, وبكل الأحوال لن يسعفك الوقت سوى لمحادثة واستعطاف شخص واحد؟

منطقيا, فإن حواسك كلها ستجبرك على التوجه إلى أسمن شخص في صالة المسافرين, لأن احتمالات مساعدته لك, تفوق بعشرة أضعاف احتمالات تلقيك المساعدة من أي شخص آخر… بعد أن أنهيت التجربة الافتراضية, التفت إلى شقيق صديقي وسألته بازدراء: ألا توافقني على هذا الرأي؟ فأجاب وهو يصفق يدا بيد: “يخرب بيتك, ما تسوى عليَّ قلت لك خفف وزنك”!

salehpen@hotmail.com

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.