مقالات

حريم القصر!

صالح الغنام

قد يتذكر البعض منكم أنني كتبت قبل نحو عام عن مسلسل “حريم السلطان”, وأنني قلت إن الذي أفقد المسلسل ذا الإنتاج المتميز حلاوته, هو ركاكة الحوار, الذي يتمركز حول ثلاث أو أربع جمل تتكرر بشكل ممل في أغلب المشاهد, مثل: “خذوا احتياطاتكم”, “باشروا بالتحضيرات”, “اعملوا الاستعدادات اللازمة”, “بلشوا بالتجهيزات”, وأخيرا, “لا تعكل همْ”. ثم, رغم أن المسلسل يجسد حقبة مهمة من تاريخ الخلافة الإسلامية, إلا أنه افتقر عموماً لكل شيء له علاقة بالدين, ولولا الخادم سنبل – جزاه الله خيرا – الذي كلما امتعض أو تبرم ذكر اسم الله تعالى وسبح وهلل وحوقل واسترجع باسمه العظيم, لظننا أن المسلسل يحكي عن قصة أسطورية لملك غابر, وليس عن خليفة المسلمين!

وبما أن بعض المحطات الفضائية, تعرض هذه الأيام مسلسل “سرايا عابدين”, الذي ما هو إلا عبارة عن محاولة فاشلة لتقليد مسلسل “حريم السلطان”, فقد لفتت انتباهي هذه المسلسلات التاريخية, إلى حجم نفوذ الحريم في القصور, وكيف أنهن كن مراكز القوى الحقيقية في بلاط الحكم. البعض يرى, أن للأمر علاقة بكيد النساء ودهائهن وخبثهن, وكيفية استخدامهن سلاح الإثارة والأنوثة والإغواء لإدارة الدولة والتدخل في شؤونها من بُعد. ومع أن في هذا شيئاً من الصحة, إلا أن “الرك” كله على الرجال, وأي رجال؟ فنحن نتحدث عن ملوك وسلاطين أبهروا العالم بقوتهم وشجاعتهم وجبروتهم, ولكنهم أمام النساء, بدوا كالجراء التي تتبع سيدها! فإمبراطور عظيم مثل السلطان سليمان القانوني, سلم مقاليد الخلافة والحكم والدولة لإحدى جواريه, فقط لأنه هام فيها حبا وعشقا!

الأمر ليس فيه خدعة أو ذكاء أو كيد نساء, ولكنه الضعف والغريزة الشهوانية التي أعمت بصر وبصيرة أقوى رجل في العالم, فبسبب عشق سليمان لجاريته روكسلان (هيام), منحها تفويضا لإدارة دولة الخلافة الإسلامية, وتقرير مصير أسرته العثمانية, وتحديد تراتبية الحكم. فعزلته روكسلان عن أسرته, وأوعزت له قتل صديق طفولته ورئيس وزرائه, ثم جعلته يقتل ابنه البكر. وكلما تقدم سليمان في الحب, ازداد نفوذ روكسلان, فعينت سائس خيل في منصب رئيس الوزراء, وتحكمت في الحملات العسكرية وتحديد توقيتها ووجهتها, وأمرت بتوطين أسلافها اليهود في دولة الإسلام, وأضعفت الرعايا العرب وأبعدتهم عن المناصب المهمة. وغير هذا الكثير من المآسي التي زرعت بذورها روكسلان (هيام), وحصدها أولاد وأحفاد السلطان سليمان, فضاعت دولتهم!

بعد هذا كله… في نظركم الحق على من؟ ضعف سليمان, أم كيد هيام؟ أعيد صياغة السؤال بشكل آخر: هل المشكلة في ضعف الرجال, أم في كيد النساء؟

salehpen@hotmail.com

“السياسة”

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.