أقرأ واقعهم.. وقارنه بخرابيطنا!
حسن الهداد
ما أجمل سنغافوره.. هذا البلد الصغير العجيب الذي حقق تنمية اقتصادية وصناعية واجتماعية عظيمة، تستحق أن يرفع لها كل العالم القبعة «والغتر والعقل والعمائم» احتراماً وإجلالاً.
محلل سياسي سنغافوري على محطة «البي بي سي» اختصر تطور سنغافوره بجملة تحمل معاني جوهرية بحاجة إلى قراءة عميقة، عندما قال «الشعب السنغافوري يملك ثقافة التعايش السلمي، وثقافة العمل والإنجاز، وثقافة الاحترام وثقافة الواقع».
فعلاً هذه الجملة استوقفتني، لقراءة الواقع السنغافوري، الذي بهرني وجعلني أفهم حقيقة ما كان يعنيه المحلل السنغافوري.. تعالوا معي لنحلل الجملة ونتعرف على عجائب سنغافوره!.
-ماذا كان يقصد المحلل السنغافوري بثقافة التعايش السلمي؟!.. هذا ما كان يقصده: إن معظم سكان سنغافورة.. هم من المهاجرين من ماليزيا والصين وإندونيسيا والهند، وقلة من الأوروبيين، أي يعني من أعراق مختلفة إلا أنهم يتعايشون جميعهم كأبناء وطن واحد، لا يضعون تنصنيفات فيما بينهم، ولديهم لغات مختلفة، مثل اللغة الإنجليزية واللغة الصينية واللغة الماليزية واللغة التاميلية، وتعتبر اللغة الماليزية اللغة الرئيسية لهم.
-ماذا يقصد المحلل السنغافوري بثقافة العمل والإنجاز؟!.. هذا ما كان يقصده: إن الموارد الطبيعية لسنغافوره قليلة جداً، إلا أن اعتمادها على شعبها يعتبر أهم مواردها، حيث إن ثلث الشعب تقريباً يعمل كقوة عاملة في التصنيع المختلف، حتى إن معدل البطالة يبلغ أقل 2 بالمئة!.. وتعد سنغافوره اليوم من أهم المراكز الصناعية في شرق آسيا، وتتميز بصناعة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، فضلاً عن الصناعات الأخرى المتعددة.
-ماذا يقصد المحلل السنغافوري بثقافة الاحترام؟!.. هذا ما كان يقصده: إن احترام الأديان لدى حكومة سنغافوره أمر هام، وضرورة ويساهم في التنمية الاجتماعية.. كيف يحدث ذلك؟! الحكومة تسمح بممارسة المعتقدات الدينية من دون تمييز، فهناك عدة ديانات منها البوذية والهندوسية والنصرانية والإسلامية وديانات أخرى، جميعها تتعايش بسلام ومودة على مبدأ «لكم دينكم ولي دين»، من دون تشدد ويحكمها القانون، فالأمر اللافت أن نسبة من يعتنق الديانة الإسلامية لا يتجاوز 18 بالمئة تقريباً، إلا أن الدين الإسلامي حظي بمجلس إسلامي، من مهامه الإشراف على المباني الإسلامية وكل ما يتعلق بشؤون المسلمين، وأعضاء هذا المجلس يعتبرون كمستشارين بالشؤون الإسلامية لدى
رئيس الدولة.
-ماذا يقصد المحلل السنغافوري بثقافة الواقع؟!.. هذا ما كان يقصده: إن منظمة الشفافية الدولية، وضعت سنغافورة ضمن قائمة أقل البلدان فساداً في العالم.. هنا لابد أن نطرح سؤالاً.. لماذا لا تحمل فساداً مثل ما تحمل معظم الدول العربية مثلا؟! تمعن معي بكلمات رئيس الوزراء السنغافوري «لونغ» كانت له مقولة جميلة عندما نجح ستة معارضين في البرلمان بعد 40 عاماً.. قال «هناك من قهر بعض المواطنين في تعامله السيئ من قبل الحكومة، ونجاح ستة معارضيين رسالة واضحة بأننا مازلنا مقصرين».. طبعاً نجاح ستة معارضين مقابل 81 مقعداً للحزب الحاكم، ويقر الرئيس بأنهم مقصرون بعد نجاح ستة معارضين!
هنا أود التوقف عند مسألة اختيار أعضاء البرلمان.. تطور سنغافوره أيضاً من أسبابه حسن اختيار البرلمان لمدة 40 عاماً، والحزب الحاكم لم يغيره الشعب نتيجة إنجازاته الأكثر من رائعة.. فلو كان اختيار الشعب السنغافوري على أساس ديني أو طائفي أو عرقي أو قبلي وغيرها.. فهل تعتقدون أنها ستصل إلى ما وصلت إليه اليوم؟!
أتمنى من يقرأ هذا المقال عليه أن يتمعن في فكرته جيداً، ليعرف كيف تتطور البلدان ويقارن بحالنا.. فأي ثقافة نحتاج حتى نطور بلدنا؟ الله سبحانه يقول في محكم كتابه «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».. وهذه الرسالة أوجهها للحكومة وللمجلس وللشعب.
“الكويتية”