البحث عن الذات!
صالح الغنام
لا علاقة لعنوان المقالة بالمذكرات التي كتبها رئيس مصر الأسبق محمد أنور السادات. فالموضوع برمته يتعلق بأشخاص عاديين, قد يكونون من قليلي الحظ, أو ممن يزدريهم الناس, ولكنهم لم يستسلموا لقدرهم, فمرنوا أعينهم على النظرات الحادة, وعودوا ألسنتهم على “الزفارة” والعبارات القاسية, ثم عبسوا وتجهموا, ومارسوا الزجر والنهر على أي كان, وفي كل مكان, فأوجدوا لأنفسهم مهابة, أو موقعا بين المجتمع والناس, معوضين بذلك نقص الكاريزما والموهبة والقبول التي يضعها الله تعالى في بعض عباده.
وشخصيا, عرفت أناسا من أرذل الخلق, وأقلهم شأنا, ولكنهم بمثل هذه الخطة, أضحوا نجوما في المجتمع, وصاروا وعلية القوم, كهاتين, يشاركونهم مجالسهم, ويشورون عليهم, ويؤخذ برأيهم. وبسبب تجنب عموم الناس لنزقهم, وخشيتهم من ألسنتهم الطويلة, أو عدم تقديرهم لأدب الآخرين وحيائهم, اضطر الناس إلى مجاملتهم, ثم منافقتهم, إلى أن استسلموا لهم ووقعوا تحت تأثيرهم, فوصلت بهم الحال إلى تبني آرائهم, وهذا لعمري لهو أمر جيد, فهؤلاء ورغم ما فيهم من نقص, إلا أنهم اصطنعوا لأنفسهم كاريزما من لا شيء, وقدموا درسا بليغا, على أن قدر الإنسان, قابل للتغيير!
من بين من أرى أنه يمثل هذا النموذج, المخرج الراحل يوسف شاهين, فهو وإن كان مخرجا سينمائيا عاديا كسائر المخرجين, إلا أنه قدم نفسه بصورة الفنان العبقري العصبي الديكتاتوري الذي يتمتع بفكر ورؤية لا تدركها عقول الآخرين, والذي لا يقبل نقاشا أو اعتراضا على موضوعات أفلامه وطريقة إخراجه لها, والحق, أن شاهين نجح بفضل تطرفه في الصراخ والانفعال, بفرض شخصيته على عموم الفنانين والنقاد, حتى أنه أجبرهم على مجاملته ومنافقته والثناء على عبقرية أفلامه, رغم إن معظمها أسخف من أن تستحق إضاعة الوقت لمشاهدتها.
شاهين, خلق له كاريزما خاصة, وعززها بإصراره على أن يحظى بصيت العالمية, فأنتج وأخرج أفلاما ظن أنها ملائمة للمهرجانات السينمائية العالمية, ولفرط مثابرته ومداومته على حضور مهرجان كان السينمائي, فقد منحته إدارة المهرجان في العام 1997 جائزة شكلية, كمجاملة له على مواظبته حضور المهرجان لمدة 46 عاما متتالية. لاحظوا, الجائزة ليست لعبقرية أفلامه, وإنما لأنه “لزق” لهم لمدة 46 عاما, فأعطوه هذه الجائزة على ألا يعود إلى المهرجان مجددا, ولكنه عاد!
المخرج شاهين, مثال رائع لقدرة الإنسان على اختلاق كاريزما خاصة به, والتأثير فيمن هم حوله, ويكفي أن الفنانين يذكرونه بالخير رغم أنه كان يمسح في كرامتهم البلاط, ومعظمهم لم يفهم أفلامه الركيكة, بل كانوا يضحكون على طريقته في الإخراج, وحتى من فاخروا بأنهم تلامذته, لم نجد منهم مخرجا واحداً مارس الإخراج بطريقة شاهين, ولكنه النفاق في الحياة وبعد الممات, وهذا دليل حي, على ما للكاريزما من نفوذ وتأثير “حمروا عيونكم, وقطبوا حواجبكم, وإذا ممكن, ضخموا أصواتكم, وستفلحون بإذن الله”!
salehpen@hotmail.com
“السياسة”