مقالات

خطايا التجار.. وخطيئة الأسرة!!

إذا كنا نعيش حالياً العصر الذهبي للتجار (فيما بعد تحرير الكويت) فنحن نعيش أسوأ أحوال أسرة آل الصباح.. بلا مبالغة!.

ما رسخته أسرة الصباح على مدى عقود من العلاقة الوثيقة مع الشعب اصبح في هذه الفترة، وبسبب الرغبة المحمومة في البقاء، من جانب رئيسي الحكومة والمجلس، وبعد «بلاغ الكويت» تحديداً.. أصبح مهدداً بالضياع، على الرغم من انه إرث طويل من التسامح والاحترام والعطاء المتبادل.

٭٭٭

تجار الكويت لم يعودوا هم التجار الذين سبق ان شيدوا بمساهماتهم المبرات والمستشفيات والمدارس.. تجار الكويت أصبحوا اليوم شيئاً آخر.

لعبت برؤوسهم الثروات الهائلة التي يمتلكونها أكثر، والأكثر هي السلطة التي يمتلكونها فلديهم اليوم كل شيء.. الثروة والنفوذ والاعلام، وأيضاً استطاعوا امتلاك التأثير في رئيس الوزراء، وهو أحد أبناء الأسرة الحاكمة، الذي ترأس جلسة أمس الأول لمجلس الوزراء وبدا فيها أنه على وشك ان ينسف الميراث الذي شيدته الأسرة.. عقوداً من المحبة والتقدير والعطاء مع الشعب، بقرارات غير مدروسة وغير محسوبة.. بل وغير مسبوقة أيضاً!.

٭٭٭

يقيناً أيها الأخوة.. نحن نعلم لماذا ومن الذي يدفع الحكومة لذلك!! ولكن من المؤسف ان تكون هذه القرارات هي الرسالة التي ترسلها «السلطة» الى أبناء القبائل!! القبائل التي لطالما كانت احدى الركائز في الاستقرار المجتمعي وأحد المكونات الأساسية للمجتمع الكويتي وصيغة الحكم فيه!!.

كيف يحدث هذا في مجلس الوزراء؟ كيف يفكر رئيس الوزراء ووزراؤه في تفعيل قانون الجنسية على هذا النحو بكل ما له من مدلولات خطيرة، ذلك ان أسرة الحكم الكريم تعلم جيداً ان هناك نسبة كبيرة من أبناء القبائل، وفي اطار علاقتها الخاصة بهم والقائمة على الاحترام المتبادل ودعم الاستقرار والنظام تم تجنيسهم في السبعينيات والثمانينيات!! فكيف تكون هذه «اللغة» لغة التهديد التي خرج بها مجلس الوزراء لمواجهة مستجدات ولم تكن موجودة في السابق هي اللغة الصحيحة او التي يجب اعتمادها؟!.

٭٭٭

لم يقدم رجال الأسرة ما قدموه من قبل الى القبائل في ذلك الزمان عن ضعف أو عن حاجة وانما كان ذلك نتاج ادراك لخصوصية وطبيعة العلاقة بين الدولة والقبائل، فهي علاقة لم تقم أبداً على التهديد او التخويف أو الاستقواء والاستضعاف، وانما على تبادل التعاون والمنافع من أجل شيوع الاستقرار.. فعلت أسرة الصباح كل هذا، وهي تعلم ان كل خيوط اللعبة في أيديها، وانها قادرة متى أرادت على اضفاء الأمن، حينما تحتاج الأمور الى ذلك، ومن دون بهرجة اعلامية او تهديد او وعيد!!.

الآن هذا الميراث العريق مهدد بالنسف، وكل هذا الطريق الذي رصف على مدى عقود مهدد بالانفجار والحريق.. بسبب أخطاء تتم بدون تفكير!!.

نحن نعلم جيداً من كان وراء الفوضى والغضب ومن حمل لواء هذا كله، عندما تهددت الكويت وكادت تضيع!! أما كانت تلك الراية مرفوعة، وصحف التجار هي التي كانت تطبل للغاضبين ولدعاة الفوضى وتدعم شغبهم وعنفهم وغضبهم.. هل نسينا؟!.

من كان وراء قضية «الايداعات المليونية» والتي كسرت ظهر النظام في ذاك الوقت، ألم تكن صحف وقنوات التجار؟!.

من كان يدعم الفوضى في وطننا آنذاك وكان الربيع العربي على أبواب وطننا، ألم تكن صحف التجار؟!

ألم يستخدموا الحراك الشبابي آنذاك لتحقيق أجنداتهم السياسية للضغط على الحكومة ولتحقيق مكاسب، وأيضاً من أجل تغيير المشهد السياسي كله؟!.

٭٭٭

ما الذي اختلف وتغير؟ لماذا كان الحراك في ذلك الوقت مبرراً على الرغم من أنه تم قطع الطرق وأحرقت مركبات وتحطمت محال وغير ذلك من الممارسات غير المقبولة؟.. لماذا كانت هذه الصحف ترى هذه الممارسات من قبل المعارضة آنذاك، بطولات يقوم بها أبطال؟!.بينما اليوم وعندما استخدمت الجميع لتحقيق مصالحها وجاءت بمشهد سياسي مناسب لها، وأصبحت لها اليد الطولى على مجلس الوزراء ومجلس الأمة، فإن «الحراك» أصبح عبثياً الآن وأنه ان الآوان لقمعه؟! وبيد من؟ بيد أبناء الأسرة؟! فلماذا تكونون يا أسرة الحكم الكريمة مخلباً بأيديهم يبطشون به أبناء البلد! لماذا تخلقون لكم عداوات ستترسخ تاريخياً على مدى العصور ولأجيال قادمة؟! لماذا تساهمون في خلق جيل يحمل (الضغينة) لكم؟! لماذا تكونون أداة في يدهم أنتم الأسرة الكريمة التي لم تكن يوماً طرفاً في الصراع وانما دوماً كانت تقف على مسافة واحدة من الجميع.. فلماذا تكونون رهينة بأيدي رئيس مجلس أمة نقل صراعاته الكروية الى المؤسسة التشريعية!!.

٭٭٭

ما يحدث جريمة بحق أسرة الخير وعلاقتها مع شعبها الوفي الذي أثبت وفاءه في أحلك الظروف.. لا يوجد أي سبب يجعل بينكم وبين هذه القبائل عداوة ومسافة ستدفع الأجيال القادمة ثمنها، وكل هذا من أجل ماذا؟ من اجل أطماع البعض في طمس حقائق مخجلة وتحقيق مكاسب آنية؟.

ان أسرة الحكم يجب ألا تكون طرفاً في صراع أو اداة بيد أحد فكل الشعب الكويتي (بدو وحضر، شيعة وسنة) هم ركائزها الذين ترتكز عليهم في مجتمعنا، فلماذا لا تقف الأسرة في هذا الخلاف على الحياد؟!.

ان لغة التهديد بسحب الجناسي لا يرقى بكم ان تستخدموها.. نعم جميعنا مع تطبيق القانون وتشهد مقالاتي كلها بأنني من أشد المطالبين بذلك، ولكن ما يحدث اليوم جريمة بحق الأسرة (أسرة الخير) وليواجه التجار القبائل كما واجهوا عموم الكويتيين البسطاء عندما كادت بلادهم تضيع، ولستم انتم!.

فهم اليوم بعد ان استفادوا من القبائل والتيارات الدينية وتسلقوا على الجميع وتمكنوا من المشهد السياسي يريدون ان يستكملوا المشهد بوضع الأسرة أمام الشعب وهذا لا يجوز ولا نقبل به!!.

٭٭٭

لا يجوز ان تنزلق الأسرة الى هذه الخطيئة، فالتجار الآن في هذا الزمان أصابهم الجشع من اجل استمرار الحصول على السلطة والثروة والعقود.. يمتلكون اليوم ثروات هائلة، واستثمارات بالجملة، أغلبها نتاج استثمارات وأموال حكومية وودائع لا حصر لها بالبنوك ومناصب، ومع هذا لا يتوقفون ولا يشبعون، وبعد ان كانوا يشيدون المبرات والمستشفيات والمدارس أصبحوا اليوم يستولون على المناقصات الحكومية، ويحصلون عليها باستمرار وبطريقة غير مبررة دون انجاز على الأرض يذكر، وصولاً الى استفادتهم من كل الفرص غير المسبوقة، المتمثلة في توفير كل أساسيات العمل التجاري الخاص من دعم العمالة لأي مواطن يعمل لديهم الى تمتعهم بالكهرباء والماء المدعومين.. ومن دون ضرائب تفرض عليهم او على دخولهم.. مثلما يحدث في دول العالم التي تحترم قدراتها وامكاناتها، وتعلم أنها في طريقها الى ان تنضب، ولكن هنا في الكويت التجار هم من يملكون كل شيء ولا يهمهم بعد ذلك أي شيء!.

٭٭٭

وعلى الصعيد السياسي اليوم هم من يشكلون السلطة التنفيذية وهذا هو الوضع المثالي لهم، من اجل زيادة ثرواتهم وتحكمهم بالبوصلة السياسية، فأغلب حكومات حليفهم «جابر المبارك» تضم أكثر من وزير تابع (لغرفة التجارة) وهذا انعكس على المجالس النيابية وفي تسهيل نجاح نوابهم داخل هذه المجالس، وأخيرا كان واضحاً للعيان ان مجلس الأمة والحكومة الذين اتفقوا سابقاً على 20 أولوية، تجاهلوا ذلك وأقروا الآن 9 قوانين ليست من بين الأولويات وانما كلها تصب في مصالح التجار!!.

انهم يعيشون الآن عصرهم الذهبي، وتعيش «الأسرة الحاكمة» أسوأ احوالها إذا لم تتدارك الأمر، وعلى الأسرة ألا تنقاد لما يخطط لها، ولا تنخدع بما يبدو من «هدوء» توحي به صحف التجار.. فالنار مشتعلة تحت الجمر.. وتحت الرماد.. فالحذر كل الحذر من فخ التجار، فما هو قادم من استقراء بسيط يشير الى مرحلة لا تحمد عقباها!!.

.. والعبرة لمن يتعظ!!.

منى العياف

alayyaf63@yahoo.com

twitter@munaalayyaf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.