مقالات

لنستأصل الاستبداد.. ولنختلف بأدب

راكان بن حثلين :نفتقد في مشهدنا السياسي والفكري والاجتماعي تعزيز ثقافة الحوار البناء، والعودة إلى الممارسة الديمقراطية.

راكان بن حثلين : أصبحنا ملل ومذاهب، كل يتربص السوء بالآخر، ويتمترس خلف ما لديه من أدوات فئوية أو طائفية.

راكان بن حثلين : نحتاج إلى ربيع فكري يعيد إلينا كل الأمور الجميلة التي فقدناها ً

راكان بن حثلين : يجب أن تسود لغة العقل قبل أن يتسيدنا الجهل وأن نعي أن الاختلاف لا يبيح إهدار كرامة الآخرين

مع تصاعد الخلافات السياسية، وانقطاع خطوط التماس بين القوى السياسية المختلفة، ظهرت آفات ثقافية واجتماعية باتت تهدد وحدة وترابط المجتمع، بل وتهدد استقرار البلد وديمومته.

أخطر هذه الآفات وأشدها فتكا بالمجتمع هو الطعن بالانتماء والولاء والتخوين والقذف بالاتهامات، حتى أصبح المجال السياسي طاردا لكل من يخشى على سمعته من التشويه، وعلى شخصه وعائلته من التجريح.

الخلافات ليست بالأمر الجديد، فهي أمر اعتدنا عليه منذ نشأة الحياة السياسية في الكويت، وهي إحدى المظاهر الطبيعية في أي بلد يحظى شعبه بالمشاركة في العملية السياسية، والحرية في التعبير عن الآراء، ولكن الجديد هو تحويل العمل السياسي إلى ساحة صراع لا تراعى فيها لا مبادئ ولا قيم ولا شرف الخصومة، وبالنتيجة أصبح الكثيرون من عامة الشعب، وخصوصا فئة الشباب يشكلون امتدادا للممارسات التي تشهدها ساحات العمل السياسي، ولا سيما البرلمان، الذي تحول من منبر للخطاب السياسي الهادف، إلى مسرح شهدنا على خشبته أبشع وأفظع المشاهد، مشاهد هي بحق مهازل، نضحك عليها قليلا ثم نبكي من آثارها طويلا.

فنحن بعد أن كنا مثالا في الرقي والتقدم في ثقافتنا، ومحط أنظار الشعوب الأخرى وغبطتهم، أصبحنا الآن أضحوكة ومحل تندر بسبب الانحدار الذي شهدناه في السنوات الأخيرة، وتحول منابر العمل السياسي من جامعات لكل الآراء، إلى مقاصل تهدر فيها كرامات وحقوق المخالفين، ويفرض فيها الرأي دون اعتبار للآراء الأخرى، ويمتهن فيها الطعن والتشهير والتنكيل بأبشع الصور.

أصبحنا للأسف ملل ومذاهب، ومعسكرات وخنادق وكل يتربص السوء بالآخر، ويتمترس خلف كل ما لديه من أدوات فئوية أو طائفية، بعد ان كنا فريقا واحدا يسعى لهدف مشترك، وهو خدمة هذا البلد، ولكن كل على طريقته، وبحسب قناعاته.

نفتقد في مشهدنا السياسي والفكري والاجتماعي إلى أن نعزز ثقافة الحوار البناء، وأن نعود إلى الممارسة الديموقراطية الحقيقية التي تستوعب كل الآراء دون إقصاء أو تهميش لأي طرف، وان نرتقي بأسلوبنا في النقد، ليكون النقد مدخلا للتقويم والإصلاح، وليس وسيلة للطعن وإيذاء الخصوم.

نفتقد إلى أدب الخلاف والنصيحة والحوار، وإلى المبادئ التي تحفظ لكل طرف حقوقه الفكرية والسياسية، فالخلاف في الرأي نتيجة طبيعية تبعاً لاختلاف الافهام وتباين العقول وتمايز مستويات التفكير، ولكن الأمر غير الطبيعي أن يكون الخلاف سببا للقطيعة، ومفتاحا للعداوات، ومدخلا للفتن التي باتت تنخر في هذا البلد.

نحتاج إلى ربيع فكري يعيد إلينا كل الأمور الجميلة التي فقدناها، ويزيح عن وجه هذا البلد كل الشوائب التي ترسبت على مدى السنوات الأخيرة، ويحيي ثمار ما زرعه الآباء والأجداد، حتى نستكمل مسيرة بناء البلد، وخلق بيئة صالحة لنشأة ابنائنا وأجيالنا القادمة، بدلا من ان نبقى نلوك بعضنا بعضا، ونواصل هدم كل الأسس والمعالم الثقافية والاجتماعية التي تميزت بها الكويت منذ نشأتها.

علينا أن نؤمن بأن الاختلاف سمة الحياة وفطرة البشر، ولا أحد يمكن أن يقصي الآخر، وان نجعل من الاختلاف والتعددية إضافة تثري ثقافتنا، وليس سببا للتناحر وجر الويلات على هذا البلد، ولنستقِ من الشعوب والثقافات الأخرى الدروس والعبر، وكيف كانت أوروبا وغيرها ساحات للصراعات والاقتتال بسبب الديكتاتورية والتطرف الفكري والديني، وكيف أصبحت الآن أنموذجا للتعايش السلمي بين مختلف أطياف البشر، والتكامل الذي أدى بها إلى التطور والتقدم في مختلف المجالات.

نريد أن تسود لغة العقل قبل أن يتسيدنا الجهل والتخلف، وأن نعي أن الاختلاف لا يبيح للمختلفين مهما كبرت أو صغرت مقاماتهم استباحة وإهدار حقوق وكرامات الآخرين، وأن نبتعد عن قاعدة الحمقى إن لم تكن معي فأنت ضدي ونغلب منطق العقلاء، فالخلاف لا يفسد للود قضية.

أما الاستبداد فهو نهج خطير يحتاج إما إلى العلاج من الجذور.. أو الاستئصال، وأخطر أنواع الاستبداد هو الاستبداد الفكري، والذي يحكم ببطلان كل ما عداه، ولا يجيز للناس أن تعتقد بخلاف ما يعتقد، واخطر مراحل هذا الاستبداد إذا بلغ حد إلغاء كل المؤسسات، ورجمها بتهم الضلالة والفساد، كما نشهد في واقعنا هذه الأيام.
شئنا أم أبينا سنختلف، ولكن لنختلف بأدب، وليحفظ كل منا للآخر ماء وجهه وكرامته، وليراعِ كل منا مشاعر الآخر وحرماته، قبل أن يأتي يوم لا ينفع الندم.

راكان بن حثلين

“النهار”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.