بكر بن لادن!
صالح الغنام
– سنوات خلت, وأنا أتمنى تأدية العمرة في شهر رمضان المبارك, وفي كل مرة كنت أتردد لشدة الازدحام في الحرم المكي الشريف, وقد حقق الله تعالى لي هذه الأمنية الغالية, بدعوة كريمة تلقيتها من العم الفاضل عبدالعزيز سعود البابطين, دعاني فيها إلى أداء العمرة مع ثلة من رفاقه الأخيار. وأثناء سير الرحلة, جوا, من الكويت إلى جدة, وبرا, من جدة إلى مكة المكرمة, كانت أعمال توسعة الحرمين الشريفين تتخلل معظم أحاديثنا, وكان كل منا يحكي بإعجاب شديد, وثناء أشد على حكام آل سعود الكرام الذين أولوا الأماكن المقدسة جل عنايتهم, وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل التيسير على عباد الله.
ولأننا كنا في معية عبدالعزيز البابطين, رجل الأعمال, وراعي الثقافة والشعر والأدب, الحاصل على العديد من الأوشحة والأوسمة والشهادات والجوائز العالمية, والسفير الشعبي للعلاقات الدولية والعامة. فقد كانت تنتظرنا دعوة كريمة لتناول طعام السحور على مائدة صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز آل سعود. وفي قاعة الطعام, صادف مكان جلوسي قبالة شخص نحيف, وصل متأخرا قليلا, وكان الناس يحيونه ويرحبون فيه, فيرد عليهم بصوت خفيض وحياء لفت انتباهي. وحتى أثناء تناوله الطعام, لم يكن يرفع رأسه قط. بعكسي أنا, حيث كنت أختلس النظر إليه, ويبدو أن العم “أبو سعود” لاحظ تركيزي على ذلك الشخص, فناداني قائلا: يا صالح, إن الذي أمامك هو بكر بن لادن!
بعد الانتهاء من الوليمة العامرة, انفردنا, الأستاذ الكبير سامي النصف وأنا, بالسيد بن لادن, فكان أن قابل إشادتنا بالأعمال التي تنفذها شركته في الحرمين المكي والنبوي, بحمد الله تعالى وشكره, وإرجاع الفضل إلى خادم الحرمين الشريفين, ومن سبقوه من ملوك. المبهر في شخصية بكر بن لادن, ليس فقط تواضعه الجم وحياؤه الظاهر, رغم تصنيفه العالمي كواحد من أبرز المليارديرات العرب, ولكن لنجاحه في إدارة شركة, تعتبر من أهم وأكبر شركات المقاولات في العالم أجمع, والتي أنجزت أعمالا تستحق أن توثق في قائمة الإعجاز أو مستحيلة التنفيذ!
في تصوري, فإن السيد بكر بن لادن, أعظم معماري على الأرض, ولا مبالغة في هذا, فشركته تعمل تحت ضغط شديد, وفي مساحة ضيقة, وفي ظروف صعبة, وبوقت قياسي, يستحيل لأي شركة أن تجاريها. وللمقارنة, لكم أن تتخيلوا ما يحصل لدينا أو لدى غيرنا من فوضى وتعطيل وتحويل مسارات في حال بناء جسر أو رصف شارع, بينما شركة بن لادن تنفذ أعمال التوسعة, وشق الطرق, وإنشاء الكباري, وسكك الحديد, وحفر الأنفاق, وتشييد المباني والمرافق في بقعة صغيرة يصعب على الفرد التحرك فيها, فما بالك بتحريك معدات ثقيلة, ونقل أطنان من المواد الإنشائية لتنفيذ مشاريع عملاقة في منطقة شديدة الزحام يتوافد عليها – بلا توقف – ملايين الزوار والحجاج والمعتمرين على مدار العام والشهر والأسبوع واليوم والساعة… بالله عليكم, من باستطاعته فعل هذا؟
salehpen@hotmail.com
“السياسة”