زواج عتريس من فؤادة باطل
ليسمح لي الكاتب الرائع تركي الحمد أن استعير منه تشبيهاً قرأته له في احد مقالاته، وان اخوض فيه واتمدد؛ لعلي استطيع ان اصل إلى الفكرة التي حاول حضرته، وسأحاول انا، ايصالها إلى القراء الاعزاء عن واقعنا المؤلم الذي ينم عن حالة من اللاحول واللاقوة، وحالة من الضعف والخوف والمهانة.
من منا لا يذكر الجملة الشهيرة التي انهى بها مخرج فيلم «شيء من الخوف» رائعته.. عندما خرج أهالي القرية الفقراء والضعفاء حين كان الخوف يلفهم، وأصبحوا اقوياء حين هبوا صفاً واحداً يرددون وهم يحملون مشاعل النار «زواج عتريس من فؤادة باطل».
عتريس هو رمز القوة والسطوة والعنف واللانسانية في قرية يسكنها الضعفاء والفقراء الذين لاحول لهم ولا قوة، وفؤادة رمز الاصالة والحق. حين اراد عتريس الزواج من فؤادة التي احبها حين كان بسيطاً محباً رقيقاً ومسالماً، ولكنها رفضت حبه حين تمرد على اهل قريتها وتجبر عليهم وأصبحت قوته وخوف الناس منه هما وسيلته الوحيدة في التعامل معهم، واستغل ماله وجاهه وقوته وجبروته ليفرض زواجه عليها بالقوة مستغلاً ضعف حيلة والدها واهلها!
ولولا شجاعة احد رجال القرية، الذي أعلن ان زواج عتريس من فؤادة باطل، في ظل صمت مطبق لف كل اهل القرية، لانتهت فؤادة وهدرت كرامتها وديس على حريتها وانسانيتها، ولكنه قالها بصوت عال، فوجد اهل القرية في ذلك حبلا تمسكوا به مجتمعين لينطلقوا جماعات وبصوت واحد: «زواج عتريس من فؤادة باطل» في صوت اجش أرعب عتريس ومن يحميه، فكانت نهاية الفيلم الرائع ان قتل عتريس محروقا بعد ان التهمته نيران المشاعل التي حملها اهل القرية ولفوا بها بيته فحاصرته، والتي كانت كناية عن نار الغضب والثأر التي كانت تستعر في نفوس اهل القرية البسيطة طوال سنوات جبروت عتريس وظلمه.
ما يحصل في عالمنا العربي من نيران وحروب وعنف باسم الاسلام، ما يحصل من ظلم لاخواننا المسيحيين في الموصل وكل مناطقهم في العراق وسوريا بحجة نشر الاسلام وفرضه بطريقتهم اللانسانية، وصمت العرب، كل العرب، عن هذا.. اما الدخول في الاسلام واما دفع الجزية او القتل والطرد.. ولم يسلم بعض من غادر ارضه وداره.. فسلبت امواله وحرقت الكنائس والاديرة.
اي اسلام هذا الذي يتحدثون عنه ويجعلونه مشجبا يعلقون عليه جرائمهم وامراضهم النفسية وبشاعة سلوكهم ضد من لا يعجبهم إسلامه؟! أي اسلام يفرضونه بقوة السلاح والقتل والبتر والحرق والسلب والنهب؟! هل هذا هو الاسلام الذي يعرفنا عند الشعوب الاخرى؟! لا، وألف لا.
التصدي لعنتريات ووحشية وجبروت عتريس داعش وبوكو حرام والقاعدة يحتاج إلى أن يقف امامها كل المسلمين الحقيقيين.. اسلام التسامح والبساطة وحب الآخرين، الاسلام الذي تعلمناه من آبائنا وأجدادنا، الذي تعلمناه من رسولنا وقرآننا، لا داعش وبوكو حرام والقاعدة وغيرها من القوات الجهادية، التي تفتك بحريات وانسانيات الآخرين باسم الاسلام. نحتاج إلى صرخة مدوية من كل البسطاء محبي السلم والسلام.. المسلمين الحقيقيين، كصرخة اهل قرية فؤادة، والتي أحرقت عتريس في بيته وفي عقر داره.
***
أعجب من صمت وسكوت مشايخ الدين عندنا مما يحصل لإخواننا المسيحيين في العراق وسوريا على يد من رفعوا راية الاسلام السوداء.. يقتلون ويقطعون ويأكلون الأكباد ويحرقون باسم الاسلام. أين صوتكم؟ وأين تسامح الإسلام الذي أهدرتم الاموال على ندوات ومحاضرات ومؤتمرات تحاولون اقناع خلق الله أن ما حصل في 11 سبتمبر لا يمثل الاسلام، وليس هو الاسلام الحقيقي؟!
أين جمعياتنا الإسلامية ولجاننا بدءاً من اللجنة الاستشارية العليا للعمل على تطبيق احكام الشريعة الاسلامية وانتهاء بأصغر لجنة؟! أين صوت إسلام الحب والتسامح والرحمة؟! أين تفسيركم للآية الكريمة «انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير»؟ هل هذا هو فعلاً التطبيق الصحيح لاحكام الشريعة الاسلامية؟!
إقبال الأحمد
Iqbalalahmed0@yahoo.com
Iqbalalahmed0@gmail.com
“القبس”