حتى لا ننهار.. ونتحول لغابة!
حسن الهداد
أبعدوا الدين عن السياسة في بلد المؤسسات حتى لا ننهار ونتحول إلى غابة يأكل القوي فيها الضعيف بذريعة الشريعة.
للأسف أن دين الرحمة والسلام والأخلاق تحول بمفهوم البعض إلى طوائف وجماعات وأيدلوجية أحزاب، وعنتريات بعضها تنتهج ممارسة إقصاء الآخرين، ولاسيما من يختلفون مع أفكارهم المتشددة التي لم ينزل الله بها من سلطان.. وهنا يكمن الخطر الحقيقي على الدولة وعلى العباد، لأننا نعيش في بلد متعدد المذاهب والأفكار.. والتناحر فيه مستمر وبتعصب!
حتى يكون رأيي واضحا في هذه المسألة، لابد أن أُؤكد أن الخلل ليس بالدين أبداً، فهو الدين الحق الذي جاء برسالة سماوية سمحة، ولكن المصيبة اليوم تكمن بمن يحمل رايته من بعض المتأسلمين من المتشددين الذين بدؤوا بإطلاق سموم أفكارهم على الساحة، وممارسة أفعالهم تدل على تخلفهم الذي تجاوز حدود العقل، بنحر رقاب الأبرياء وتهجير وترويع الآمنين من مساكنهم، وهذا ما حدث أخيراً مع المسيحيين في منطقة الموصل في العراق على مرأى ومسمع مجتمعات العالم.
غالباً ما يُستخدم التشدد كأداة لضرب دين الحق، بهدف تنفير الآمنين من دينهم وتشويه جوهره النقي أمام العالم، وهذا لم يأت من فراغ ولا مصادفة أبداً، بالتأكيد كان مخططاً له بدقة من أعداء الإنسانية، والدليل على ذلك، أين هم هؤلاء المتشددون عن المجازر التي تحصل كل يوم في غزة من قبل الكيان الصهيوني؟! لماذا إلى الآن لم نسمع لهم حساً ولم نشاهد موقفاً ولا تحركاً! لماذا معظم ضحاياهم من المسلمين؟! أعتقد أن الإجابة باتت واضحة لكل من يملك عقلا نيرا يدرك ويُقيم حقيقة المشهد اللا أخلاقي.
على فكرة.. التخطيط الخبيث دائماً تجدونه ينجح في بقعة الجهل التي تحمل رايات العنف والتشدد، وردة الفعل السريعة باسم نصرة الدين، لأن هذا الشعار دائماً يكون محبباً لدى الغيورين على دينهم، ولكن بجهلهم يدمرون هذه الغيرة وهم لا يشعرون، وللأسف هذا ما نعانيه اليوم من فكر بدأ ينتشر بين مجاميع من الشباب المساكين نتيجة السكوت عن أهل التحريض، وللأسف مع كل هذا نجد المحاسبة غير حاضرة على أرض الواقع.. هنا أود أن أطرح تساؤلاً، لماذا نبعد الدين عن السياسة؟!
التاريخ الأوروبي القديم مليء بالأحداث ولاسيما أثناء سيطرة رجال الدين المتشددين على الدول، وعلى عقول البشر بهدف الاستيلاء على السلطة، كما هو مليء بالمواعظ التي تنذر وتحذرنا اليوم كأمة إسلامية مرتبكة ومتفككة، وفي أضعف أحوالها نتيجة خلافاتها اللامنطقية.
لاشك أن التشدد الديني الذي كان يسيطر على أوروبا نتجت عنه آثار كبيرة على أحوالها، وكان سبباً رئيسياً في مذابحها الطائفية والمجتمعية آنذاك، وانتهت بضحايا بشرية لا تعد ولا تحصى، فضلاً عن دمارها اللامحدود، حينها أدرك الأوروبيون مكامن الخطر الذي شل حياتهم، ثم انتفضوا على المتشددين وحولوا بلدانهم إلى دول مدنية تضم الجميع على اختلافاتهم الدينية والعرقية والمذهبية، واليوم نجد تلك الدول بعد تحررها من التشدد نموذجاً للسلام والتعايش السلمي والإنسانية.
لو نظرنا إلى أحداث مجتمعاتنا العربية والإسلامية الأخيرة.. رغم اختلافاتهم المتعددة فإننا نجد أخطر اختلاف بينهم اليوم هو الاختلاف الديني والمذهبي، الذي دائماً ما يكون تحت رعاية دعاة التشدد والفتنة والتحريض، وهؤلاء هم أبطال الفضائيات والمكروفونات، تجدهم دائماً بتحريض أبناء الناس على الجهاد، وأبناؤهم يدرسون ويستمتعون في أجواء أوروبا ويعيشون في رفاه، هؤلاء ينفذون مخططات للاستيلاء على السلطة باسم الدين، ووقودهم من الشباب المساكين الذين يعتقدون بهم نتيجة جهل وغسل أدمغة.. فإلى متى أنتم غافلون عن هذا العبث الذي جاء بعباءة «الدين» وهو حق يراد به باطل!
كفى جهلاً.
دعاة التغيير والعدل والمساواة من المتشددين دينياً لا نجدهم اليوم إلا دعاة للتحريض على قتل الآمنين.. فما بالكم إذا سيطر هؤلاء على السلطة ماذا سيكون حال من يختلف معهم؟! فمن هذا المبدأ قلت لكم أبعدوا الدين عن السياسة في بلد المؤسسات حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه.