مقالات

“شَعَر بنات”!

صالح الغنام

لا أعلم إن كان العيد سيصادف اليوم أو غدا, ولكنني أكتب المقالة الآن وعقارب الساعة تشير إلى الرابعة عصرا, وفي مثل هذا التوقيت تحديدا, قبل نحو أربعين عاما, أذكر إنني كنت أحاصر والدي – رحمه الله تعالى – بالرجاء والتوسل و”التمسكن”, كي يأخذني إلى السوق لشراء كمية معقولة من “شعر البنات” – وهو نوع من الحلوى يتم تصنيعه من السكر على شكل شعيرات – وذلك لبيعه صبيحة يوم العيد. وبالطبع, لم تكن بضاعتي تقتصر على “شعر البنات”, بل كان هناك صنف آخر, وهو شراب “الفيمتو” أو ما كنا نطلق عليه آنذاك “شربتْ بينتو”, وكنا نضعه في “مطارة” – ترمس – ممزوجا بالمياه المثلجة.
من حيث المبدأ, فإن فكرة استغلال مناسبة العيد تجاريا, هو أمر محمود للغاية, ويدل على تمتعي بنبوغ تجاري منذ الصغر, ولكن المصيبة كانت في المستهلكين, فمن كنت أعتمد عليهم لشراء بضاعتي, كانوا يمارسون النشاط التجاري ذاته, وفي موقع البيع نفسه! فقد كنا تسعة أصدقاء من “فريج” واحد, وفي صبيحة يوم العيد, كنا جميعا نتوجه إلى دكة السور الخارجي لمسجد أحمد بن حنبل في منطقة الفيحاء, وكل منا ممسك بصينية “شعر بنات” و”مطارة فيمتو”.

المفارقة, إنني لا أتذكر طوال مزاولتي لهذه التجارة, أن جنس مخلوق اشترى مني أو من أصدقائي كوب “فيمتو” أو شيئا من “شعر البنات”, ومع ذلك, كنا نعود مع أذان الظهر إلى بيوتنا, من دون أن يتبقى معنا شيء من بضاعتنا, وسبب ذلك, أننا كنا نتبادل أنخاب “الفيمتو” طيلة ساعات النهار, ويتذوق كل منا من صينية الآخر “شعر البنات”, وكأن هناك اختلافا في الطعم, رغم إننا جميعا اشترينا البضاعة نفسها من محل واحد!

كما وسبق أن قلت, فإن فكرة استغلال موسم العيد لأغراض تجارية, هي فكرة عبقرية بحد ذاتها, ولكن الفشل كان في التنفيذ, وأظن أن سبب ذلك, أننا لم ندرس جدوى بيع منتج واحد, في مكان واحد, بين تسعة أصدقاء يزاولون المهنة ذاتها في “فريج” واحد… الشاهد إنني وأصدقائي لم نكن نهتم كثيرا لفشل مشروعنا التجاري, فرأس المال من أهالينا, والأهم, أن الأستاذ إبراهيم – وهو أحد شباب الفريج الكبار – كان يعوض خسائرنا بمعايدة كل واحد منا, بربع دينار, وهو مبلغ كبير جدا في ذلك الوقت!

قد يكون سبب كرم الأستاذ إبراهيم وتعاطفه معنا – وهو بالمناسبة مدرس تربية بدنية زاملته لاحقا – أنه كان مطلعا على خلافاتنا – نحن الصغار – على من يتولى زعامة “الفريج”, وكان التنافس حادا بين “عبادين” و”بوسعيد”, فكان الأستاذ إبراهيم يضحك كلما رأى واحدا منا ويسأله: “ها… منو الرئيس?” فكنا نشعر بالحرج ونلوذ بالصمت, فموضوع زعامة “الفريج” بالنسبة لنا, أمر مصيري لا هزار فيه… اليوم, وبعد مرور كل هذه السنوات الطويلة, لن أتورع عن إفشاء السر الذي كتمته في صدري, ففي موضوع الزعامة, كان عقلي مع “عبادين”, وقلبي مع “بوسعيد”… كل عام وأنتم بخير, وعساكم من عواده!

salehpen@hotmail.com

“السياسة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.