ليحسمها الكبار قبل أن يحرقنا الصغار
راكان بن حثلين
ليست المرة الأولى التي يحذر فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من الجماعات الارهابية، ولكن اللافت هو أن يسبق هذا التحذير الحديث عن المجازر البشعة التي يتعرض لها أهلنا في غزة.
هذا الترتيب لم يأت من فراغ، وانما هو نتاج حكمة وبصيرة في ترتيب الأولويات، اذ جعل الملك عبدالله محاربة الارهاب على رأس الأولويات، وبالتأكيد فان هذا الأمر لم يأت من فراغ، بل هو نتاج حكمة ودراية بحقيقة الأمور، وقناعة بخطورة التنظيمات الارهابية التي مزقت العالم الاسلامي، وأشغلتنا في حروب داخلية عن قضيتنا الرئيسية وهي قضية فلسطين.
وان يكن هذا الخطاب جاء في وقت متأخر، وبعد أن حظيت الجماعات المتطرفة بثلاث سنوات من ربيع الامدادات العسكرية والمالية والمداهنة السياسية، الا أنه حمل مؤشرات على جدية ونية للحزم والحسم في نفس الوقت، عندما دعا خادم الحرمين الشريفين قادة وعلماء الأمة الاسلامية والمجتمع الدولي لأداء واجبهم، والوقوف في وجه من يحاولون «اختطاف الاسلام وتقديمه للعالم على أنه دين التطرف».
ولا شك أن هذا النداء، وعلى هذا المستوى، لم يأت من فراغ، بل إنه جاء نتيجة استشعار الخطر الحقيقي للتنظيمات الارهابية التي باتت كأفعى السوء التي تطل برأسها من جحور موزعة على عدد من البلدان، وأصبحت مصدر تهديد أمني جدي لجميع دول المنطقة دون استثناء، ولا سيما دول الخليج في ظل السعي الحثيث لهذه التنظيمات للسيطرة على الثروة النفطية من أجل تمويل نشاطاتها.
وبغض النظر عن التحفظات واختلاف التوجهات، الا أن على الجميع الاستجابة لهذا النداء، وتشكيل قوة اقليمية او دولية من اجل محاربة الجماعات الارهابية، وعدم السماح بتنامى عدة وعديد هذه التنظيمات في بعض البؤر، حتى لا يأتي يوم يقول فيه الآمنون الآن «أكلت يوم أكل الثور الابيض».
الملك عبدالله قال إن الامة تمر اليوم بمرحلة تاريخية حرجة، وأن التاريخ سيكون شاهدا على من كانوا الأداة التي استغلها الاعداء لتمزيق الأمة، وتشويه صورة الاسلام، ونحن نقول نعم الوضع كذلك، والتاريخ لن يسجل فقط من كانوا الأداة في يد الأعداء، وانما سيسجل بحروف من نور أسماء كل من وقف شوكة في عيون الأعداء، وتصدى لمخططاتهم الرامية الى تمزيق الأمتين العربية والاسلامية، وتشويه صورة الاسلام النقية وتصويره على أنه دين القتل والذبح على الهوية.
نعم آن الأوان للحزم والحسم من قبل الكبار قبل ان يحرقنا الصغار والمتآمرون والخونة بنار الفتنة التي أشعلوها في بلداننا، ونجحوا في اشغالنا عن نصرة أهلنا في غزة بمعارك بين أبناء الملة والقومية الواحدة.
كما آن الاوان لأن يكون لرجال الدين من مختلف الطوائف والديانات موقف واضح، وجهود ملموسة لحشد العالم في معسكر واحد ضد الارهاب، لان القضية أصبحت واضحة، فاما ان يكونوا ضد الارهاب، أو ان يكونوا مشاركين في تلك المجازر التي ترتكب بحق الأبرياء في كل مكان، او شياطين خرس على أقل تقدير.
ان مقترح جلالة الملك عبدالله بانشاء (المركز الدولي لمكافحة الارهاب)، يجب ان تتبعه خطوات عملية سريعة للعمل بهذا المقترح، بشرط ان تراعى المعايير الدولية وحقوق الانسان حتى لا يتحول هذا المركز الى اداة لقمع الشعوب، وان يشمل المقترح تدعيم هذا المركز بمنظومة قانونية دولية تدعم عمل هذا المركز، وقوة عسكرية رادعة تكون تحت تصرف هذا المركز لضرب كل أوكار الارهاب أينما وجدت، وقطع أيادي الداعمين له بأي وسيلة كانت، كما يجب ان يتم عزل كل الدول الراعية او الداعمة للارهاب دوليا، وعلى جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لقد ولى زمان المناصحة، وآن اوان الكي والضرب بيد من حديد دون هوادة، من أجل انقاذ ما تبقى من مقدرات الامتين العربية والاسلامية، قبل ان يعود بنا صبيان التطرف والعمالة الى الجاهلية
بعد ان خرجنا من ظلماتها بنور الاسلام.
عندها فقط، وبعد القضاء على هذا المد المتطرف، يمكن ان نبدأ في بناء وترميم ما تبقى لنا من قوة من أجل نصرة القضية الفلسطينية.
“النهار”