مقالات

وقت الإزعاج.. من يحسمها؟!

حسن الهداد
الأنظمة الملكية الدستورية غالباً ما ترتدي عباءة الديمقراطية الكاملة، ونجدها تحمل وجهين؛ الأول ديمقراطي بنظام برلماني كامل، وهذا متعارف عليه حسب دساتيرهم المكتوبة، والوجه الآخر يكمن في الحكم الفردي للملك، من خلال استخدام صلاحياته إذا استدعت الضرورة ذلك، ويعد الأهم لاستقرار البلد وحمايته من أي انحراف قد يؤدي إلى عدم استقرار سياسي، ولاسيما إذا شعر بوجود خطر حقيقي على أمن واستقرار المملكة.

فعلى سبيل المثال مملكة تايلاند، نظام حكمها ملكي دستوري، يتربع الملك على عرشها ويراقب سياسات الدولة عن بعد، وفي الغالب لا يتدخل بشؤون وقرارات الحكومة، رغم أن الدستور يكفل له التدخل بشكل مباشر، إذا شعر بوجود خطر على المملكة، وهذا ما يميز النظام السياسي في تايلاند بوجود مرجعية تحسم الخلافات وقت الحاجة، والكل يذعن لها باحترام، فأحياناً تحصل ظروف تخرج عن السيطرة نتيجة خلافات معقدة وتدخلات بين السلطات يعجز الحوار عن حلها، وهذا الأمر حدث فعلاً، عندما لجأ الجيش إلى انقلاب عسكري للاستيلاء على السلطة في تايلاند، الأمر الذي تسبب في زعزعة الأمن، ونتج عنه غضب شعبي وصدامات عنيفة بين المتظاهرين والجيش، مما استدعى تدخل الملك الذي صادق على دستور مؤقت لتهدئة الأمور لحين حل الخلافات عن طريق المحكمة الدستورية.

والمثال الآخر، ترسم لوحته المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى، وكلنا نعلم مدى سقف ديمقراطية بريطانيا، وهي أشهر من أن نسطر تاريخها العريق هنا.. وللمعرفة أكثر لابد أن نسلط الضوء على الوجه الآخر، وأعتقد أنه الأهم في النظام الملكي البريطاني، بحسب دستورها غير المكتوب الذي يعرف بالقانون الأساسي، فإن الملكة إليزابيث تملك صلاحيات سياسية كبيرة جداً، ولكن بموجب العرف لا تستخدمها، وتفوض صلاحياتها لرئيس الدولة.

ومن صلاحيات الملكة إليزابيث التي لم تستخدمها منذ توليها العرش عام 1952،الآتي: لها حق إقالة الحكومة وحل البرلمان، ولها الحق في الاعتراض على قرارات الحكومة، ولها الحق في إقالة أي شخص من منصبة القيادي، وهي من يمثل المملكة في المناسبات الرسمية، كما هي قائدة القوات المسلحة الملكية، وتعبر الملكة رئيسة للبرلمان، ورئيسة كنسية إنجلترا، كما هي حامية الحياة البرية والبحرية وتدخل ضمن أملاكها.

طبعاً كل تلك الصلاحيات والأملاك لم تستخدمها ملكة بريطانيا، بل جعلتها تحت تصرف الحكومة وجمعيات النفع العام، ولكن السؤال لماذا لا تستخدم الملكة صلاحياتها؟!

ما دام المشهد السياسي مستقراً ويسير على أكمل وجه في بريطانيا من دون أدنى خلل ولا تعقيد، بمشاركة المجتمع المدني، فضلاً عن ارتقاء الثقافة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لدى الشعب البريطاني، الأمر الذي أسس ثقافة الحكم الجماعي من خلال احترام القانون واحترام حقوق الإنسان، هذا ما جعل الملكة إليزابيث تنأى بنفسها عن استخدام السلطة الفردية، مادام المجتمع البريطاني يعيش حالة استقرار سياسي.

ولكن السؤال الأهم في حال وجود اضطرابات في بريطانيا ستؤدي إلى مخاطر كبيرة، وعجزت الحكومة عن حلها، فضلاً عن وجود فساد في البرلمان أو وجود مخاطر خارجية.. هل ستصمت الملكة؟!

طبعاً لن تسكت، بالتأكيد ستتدخل الملكة وفق ما تتطلبه المواقف، باستخدام صلاحياتها لصد أي مخاطر عن بريطانيا سواء كانت داخلية أم خارجية.

زبدة الكلام.. إن مسألة المرجعية لحكم الفرد في حالة المخاطر أمر أثبت فعاليته في استقرار البلدان التي تعاني فزعات إيديولوجية وفقراً في الثقافة السياسية، التي دائماً ينتج عنها خلافات واضطرابات، وغالباً ما تكون بدوافع تصفية الحسابات والانتقام لا أكثر.

هناك كثير من الدول دمرتها الأحزاب السياسية نتيجة التحدي على الكراسي، ما أدى إلى تصفية حسابات تصل إلى الحروب الأهلية والضحية هي الشعوب، فلو كانت في تلك الدول مرجعيات بعباءة ديمقراطية كمرجعية ملك تايلاند أو ملكة بريطانيا، لما رأينا هذه الحروب والدمار في ساحاتها.

وأخيراً.. الشاطر يتعلم من أخطاء الآخرين.. لذا أقول إن الكويت ليست بحاجة إلى أحزاب ولا خزعبلات الحكومة الشعبية!
لماذا؟! الجواب: ثقافة المجتمع لا تسمح، بل وضعها الراهن مخيف لأقصى درجة، فمرجعية الحاكم في الوقت الراهن هي الحكمة.

“الكويتية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.