مقالات

نظرية المؤامرة في الكويت ‘خبز الرفلة’

خبـز الرفلـة

يستدعي محققاً شخصاً أعرفه، وكان استدعاءاً محترماً وكذلك كانت أجواء الحوار، ولكنه في معرض حديثه يعزو ما يحدث في الكويت من احتجاج إلى مؤامرة مصدرها خارجي وتتبناها قطر وذراعها قناة الجزيرة،

أو أنه يغمز بنفس مبررات اتهام ثلاث من دول مجلس التعاون لقطر بتقويض كيان دولهم. أصبحت قطر ذات الـ 280 ألف مواطن -4 كويتيين مقابل كل قطري- صاحبه مشروع ‘سايكس/بيكو’ الجديد في إعادة تقسيم الوطن العربي من عمان إلى موريتانيا،

والأقربون أولى بالتفتيت …. مو عيب. وعلى مستويات أعلى، لم يبق مسئول لم ينسب الأحداث في الكويت إلى نظرية المؤامرة التي هدفها زعزعة كيان الدولة، حتى بات من حقنا التساؤل حول سبب كتمان تفاصيلها وعدم التقدم ببلاغ رسمي لملاحقة الضالعين فيها مادام كل مسئولينا يجزمون بوجودها.

والمنطق هنا يضطرنا إلى، إما وصم من يطلق الاتهام بالمؤامرة بالخيانة لأنه حجب معلوماتها رغم خطورتها على الأمن الوطني، أو أن ما ذكر حول المؤامرة أمر مختلق أي غير صحيح، والقانون يجرم نشر الإشاعات المضرة بالأمن الوطني. ولن أعلن سراً خطيراً إذا ذكرت بأن المؤامرة المزعومة مجرد وهم مقصود، وأن أحداً لا يملك أية معلومة عن وجودها، لذلك لن تتعدى وسائل الإعلام، ولن تذهب إلى دهاليز القضاء.

ونظرية المؤامرة حيلة قديمة ومكلفة تسحبها الحكومات العاجزة من على الرف لكسب التعاطف بإثارة الرعب، خصوصاً إذا ما نسبت إلى طرف خارجي، وفي بعض الأحوال تترجم إلى صدام داخلي عنيف أو إلى حرب عبر الحدود، ذلك ما فعله ‘صدام حسين’ كثيراً في الداخل ومرتين مع الخارج. في الكويت، اتهمت الحكومة في ثلاثينات القرن الفائت تجار الكويت الوطنيين بالخيانة والتخابر مع العراق لتقويض كيان الدولة، وظلت تلك التهمة ملتصقة بهم حتى أن أحد أبناء الأسرة البارزين دونها في مقالة له قبل بضع سنوات.

في ستينات وسبعينات القرن الفائت كانت القوى الوطنية خائنة ومتآمرة مع الشيوعية العالمية ودول الشمال العربي لتقويض كيان الدولة، وتم إغلاق نادي الاستقلال بدعوى ممارسة السياسة، وهو نهج بيان مجلس الوزراء الأخير حول منظمات المجتمع المدني. في ثمانينات القرن الفائت، كان كل الشيعة خونة وطابور خامس لإيران يعملون معها في التآمر على تصدير ثورتها، وكانت الحقبة الأسوأ في الفرز الطائفي، ولم يبرئهم سوى انكفاء حليف الأمس وحامي البوابة الشرقية وغزوه للكويت. في وضعنا الحالي أصبحت غالبية القوى الدينية وشباب القبائل هم المتآمرون والخونة ومتخابرين مع الخارج، وزعماء القبائل والقوى الدينية كانوا حلفاء الأمس ضد خونة ذلك الزمن، أما حالياً، فهم عملاء لقطر.
إنها سياسة الفزاعات، هدفها ليس صيانة أمن الدولة، وتفتقد الصدقية والاحترام، ولكنها وسيلة ميكيافيلية للتغطية على عجز الإدارة واستشراء الفساد، وهي غاية لا يمكن أن تحقق الحد الأدنى من أمن المستقبل، وإنما تقوضه. الواقع أنني أستطيع أن أدعي دون الشعور بأي ذنب، بأن أداء مؤسسات الدولة البائس هو صلب وحقيقة المؤامرة، فإن كانت الكويت تتعرض لمؤامرة لتقويض كيانها وضياع مستقبلها، فهي بالسماح للعاجز والفاسد بأن يختلق مشجب يعلق عليه فشله وعدم أمانته.
المؤامـرة، كانت في السماح للحكومـات المتعاقبـة بتفتيـت الدولـة إلى عصبيات صغيرة -منطقة وطائفة وقبيلة..الخ- على حساب المواطنة بمفهومها الشامل من أجل اختزال كل السلطات في الحكومة التي دأبت على تبني مبدأ ‘فرق تسد’ المستعار من محتل أجنبي.

المؤامرة كانت في خلق قنبلة موقوتة من قضية البدون بعد أن قدرت الحكومة في زمن الانقلابات العسكرية قديماً بأن البدون أكثر أمناً في المؤسسات الأمنية من مواطنين قد يطمعون في الاستيلاء على الحكم من على ظهر دبابة.

المؤامرة، في استخدام الجنسية تارة لتغليب طائفة على أخرى وتارة أخرى للاستقواء بفئة -بدو وحضر- على أخرى، وتارة مكافأة لشراء الولاء لهذا الطرف أو ذاك، حتى أنها وظفت ضمن صراع أطراف في الأسرة على الحكم.

المؤامرة، هي في توظيف الحكومة لملف الجنسية الآن توظيف سياسي، ولكن هذه المرة باستخدامها كوسيلة ترهيب وانتقام وعقوبة جماعية وبانتقاء ضد معارضيها، بينما يحكم أعظم دولة أسود متجنس… إنه عبث في غاية الخطورة.

المؤامرة، هي في تلك البيئة الموبوءة التي خلفها عجز وتقاعس مؤسسات الدولة عن حماية قيمها وقوانينها حتى أصبح معها كل كويتي لص حتى يثبت براءته.
المؤامرة هي في اقتسام السلطة محاصصة على مستوى مجلس الوزراء ثم توزيعها على كل ما عداه من مؤسسات في ظاهرة مرضية هي الأخطر، أو الإدارة بالولاء وليس بالأداء، حتى أصبحت الإدارة العامة الأعلى تكلفة في العالم والأسوأ أداء في الوقت نفسه.

المؤامرة هي في عجز الدولة قيماً وقانون عن تجريم حالات فساد فاجرة وثابتة، بينما هي حريصة على ملاحقة وسجن كاتب سطرين على تويتر بدعوى المحافظة على أمن الدولة.

المؤامرة هي في حتمية معرفة أي مسئول في الدولة مهما بلغ تواضع قدراته بأن الوضع الاقتصادي الحالي غير قابل للاستدامة، وأن تبعاته في غاية الخطورة على بقاء الدولة، وأن يستمر رغم ذلك سيل سياسات وقرارات خاطئة تؤدي إلى تحويل الأزمة الاقتصادية القادمة حتماً إلى كارثة غير محتملة، فقط من أجل بقاءه أطول فترة ممكنة في منصبه.

نعم، المؤامرة موجودة، وتقويض كيان الدولة في مراحلة الأخيرة، ولكن، ليست المؤامرة بمفهومها التقليدي الذي يتبناه المسئولين، وإنما مؤامرة ‘خبز الرفلة’ أو أداء مؤسسات الدولة العاجز والداعم للفساد، ومتى ما أصبنا في التشخيص، نجحنا في العلاج، ماعدا ذلك، نحن للأسف مضطرون إلى أن نأكل خبز تنور تلك المؤسسات.

جاسم خالد السعدون
5 أغسطس 2014

“الآن”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.