الحذر الحذر من جيل الـ«تي إن تي»
راكان بن حثلين
يبدو انه كتب علينا ان نتجرد من انسانيتنا وأخلاقنا وأن نلتزم موقف المتفرج تجاه ممارسات يندى لها الجبين، او ان نعيد الخطاب في كل مرة لحكومة تسمع وترى وتتكلم، ولكنها اما صماء انسانيا ووجدانيا، او انها مشلولة لفقدان القدرة على اتخاذ القرار.
هذه الحكومة لا اطال الله بقاءها بهذا الأداء السيئ، جبلت على التعامل بردود الأفعال مع الأحداث التي تترتب على سوء ادائها، بدلا من ان تكون صاحبة المبادرة في معالجة مشاكل الناس، وانجاز معاملاتهم وتذليل العقبات امامهم، حتى لا يخرجوا عن طورهم، ويحتشدون في الشوارع وينظمون المسيرات وغيرها من المظاهر.
وعلى مدى الاشهر الماضية شاهدنا وقرأنا الكثير في وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عن معاناة اخواننا البدون من المعاملة السيئة التي يعاملون بها، والعقم الانساني الذي يواجهونه في كل مرة يتوجهون به الى مؤسسات الدولة لانجاز معاملاتهم، وهي مؤسسات رسمية يفترض ان تكون كل منها مرآة تعكس السياسية الحكومية.
نكون مخطئين اذا اعتقدنا ان المسؤولين لم يقرأوا ما قرأنا، ولم يشاهدوا ما شاهدنا، لأن كل مسؤول يحيط به صف طويل من المستشارين الاعلاميين الذين يفتشون عن كل نقد او مديح تتعرض له الحكومة، ولا شك انهم ابلغوا مسؤوليهم بما شاهدوا وقرأوا.
نعم نكون مخطئين اذا اعتقدنا ان الأمر ناتج عن سوء ادارة، لأن ما يحصل يدل على ان هناك نهجا تتبعه الحكومة يهدف الى «مرمطة» البدون و«تطفيشهم»، حتى يخرج لنا الجهاز المركزي ببيان يسطر فيه بطولاته، يتضمن الاعلان عن تعديل عدد من البدون لأوضاعهم، متناسيا الاكراه الذي تعرض له هؤلاء قبل ان يلجأوا لشراء الجوازات المزورة او الجوازات التي تباع في السوق السوداء لعدد من الدول التي لا يربطهم بها دم ولا مولد ولا تاريخ ولا تضحيات كما يربطهم بالكويت.
تعسف ولا مبالاة واصرار على اذلال المراجعين او احباطهم على الأقل، نرصده في كل جهة يقصدها البدون.
في الادارة العامة للجنسية والجوازات، وفي الجهاز المركزي، طوابير وحشود تصطف حتى قبل ان تفتح الأبواب، وقبل ان ينتهي الموظفون من افطارهم، وسرد «سوالفهم» وجولاتهم بالدواوين او الأسواق، تنتظر النداء بأسمائهم من اجل الحصول على رقم يمنحهم شرف مقابلة الموظف، على امل الحصول من «فخامته» على جواب يطفي لهيب الشمس الحارقة التي الهبت رؤوسهم من طول امد الانتظار، ويهون الآلام التي تستعر بها ارجلهم من الوقوف على مدى ساعات طويلة لقلة الكراسي او انعدامها، في بلد نفطي ينعم بالفوائض المالية الكبيرة.
قبل ايام افتقدت احد الأصدقاء من اخواننا البدون، وباتصالي عليه بدا من صوته التعب والاحباط الشديد، ولكن لا عجب ولا غرابة، او كما يقولون «اذا عرف السبب بطل العجب».
هذا الصديق كان في ذلك، ومنذ الساعة الثامنة صباحا وقف لأداء طابور الصباح كالعادة أمام الجهاز المركزي لشؤون «البدون»، من اجل مجرد «استلام» بطاقته الجديدة، بعد ان كان قد مر بنفس الموال قبل اسبوعين لتقديم طلب التجديد، ومن حسن الحظ ان الموظفين انجزوا معاملته عند الساعة الثانية بعد الظهر.
خمس دقائق فقط، يقول هذا الصديق انها الفترة التي يستغرقها مثل هذا الإجراء البسيط، لأنه مجرد «تسليم بطاقة»، ولكن طول الانتظار يا صديقي.
ويتساءل صديقي البدون: «لماذا وقوفنا في الشمس لساعات، بحجة النداء على اسمائنا المسجلة في قوائم ورقية «بالدور»، ثم بعد ذلك يسمح لنا بالدخول الى مبنى الجهاز المركزي للحصول على رقم متسلسل من آلة الأرقام؟ ولماذا لا نختصر المراحل ونحتكم الى الآلة مباشرة بدلا من ان نحتكم الى انتقائية ومزاجية البشر؟!.. سؤال لم اجد جوابا عليه الا بأن الأمر مقصود ومدبر وباصرار.
وبعد يومين فقط، قرأنا خبر اطلاق النار على مبنى الجهاز المركزي، فلم استغرب ولم اتعجب، فنهاية هذا الضغط والحصار المفروضين على هذه الفئة، لن تكون نتيجتها الا الانتحار او الانفجار ما لم يبادر اصحاب القرار بتصحيح وضع قام على الباطل منذ تأسيس اللجنة المركزية للبدون.
واذا كنا ننقسم بين مؤيد ومعارض للتجنيس، فاننا لا يمكن ان نختلف على حق نظيرنا الانسان في ان يعامل المعاملة التي يستحق، وان تحفظ له كرامته وكبريائه، وليس اقل من ان يحصل على مقعد من النوع المتواضع ليستريح عليه، ومظله تقيه حرارة الشمس الحارقة، شأنه شأن اي وافد على هذه الأرض، ان لم تكونوا تعترفوا بأبناء هذه الفئة بأنهم ابناء هذا البلد الذين جادوا بأرواحهم وبأعز ما يملكون من اجله.
طلقة البدون هذه ما هي الا انذار بأن الجيل الرابع من هذه الفئة لن يكون كالجيل الأول والثاني من الآباء والأجداد الذين كان صبرهم بطول اعمارهم، وحكمتهم بقدر معاناتهم، وآمالهم تمتد ابعد من بصرهم، بل ان الجيل الحالي من البدون بسواده الأعظم هو جيل اللا صبر واللا امل واللا حكمة، هو الـ«تي إن تي» تفجره شراره.. فالحذر الحذر.