عازفون بعيون «معصوبة» لنبذ الطائفية في العراق
على أنغام الموسيقى، كان مهند عبدالرحمن رئيس فرقة «حلم» يتنقل بين الأشياء المحيطة به ويتلمسها ليعرف مكنوناتها قبل أن ينزع العصابة عن عينيه ويبدأ بالتحرك في شكل صحيح.
جميع أعضاء الفرقة الذين رافقوا مهند كانوا معصوبي العيون وهم يعزفون مقطوعة قدمها شباب الفرقة في أكثر من مكان ببغداد في أيام قليلة لكن بعد أن يقوم الشخص الأول بفك العصابة عن عينيه ويرى من حوله يبدأ الآخرون تلقائياً بالتخلي عن العصابات السودِ ليرى بعضهم بعضاً.
وهي المرة الأولى التي تقدم فيها فرقة عراقية نشاطاً موسيقياً يتطرق إلى ظاهرة التعصب منذ سنوات، كما أنها الفعالية الأولى بعد سقوط الموصل والمشكلات الأمنية والطائفية التي رافقتها.
تقوم الفكرة على تقديم ظاهرة التعصب الديني والمذهبي والعرقي بطريقة تشبه إلى حد كبير الأوبرا، لكن الفرق هو أن العزف الذي رافقته الفعالية استمرّ ست دقائق فقط، لكنها قدمت مختصراً للظاهرة من خلال تصوير المتعصب بالشخص الذي يضع عصابة سوداء على عينيه فلا يرى سوى نفسه وحاولت الفرقة من خلال تلك المعزوفة التي حضرها شباب نازحون وأقليات نشر ثقافة قبول الرأي الآخر ونبذ التعصب الطائفي ضد الأقليات والنازحين في صورة موسيقية .
مؤلف المعزوفة ورئيس الفرقة مهند عبدالرحمن شارك في تقديم الأوبرا مع أعضاء الفرقة الأربعة. ويقول في حديث إلى «الحياة»: «إن بدء العزف بموسيقى غامضة كان مقصوداً ليدرك الجميع أن لكل واحد منا طريقاً واحداً وأن الجميع يحاولون عرقلة ما أسمعه قبل أن أقوم بفك العصابة عن عينيَّ وأتخلص من التعصب».
ويضيف: «أرادت المعزوفة إيصال رسالة خاصة للمتعصبين، لكن بطريقة موسيقية وتمكنّا من إيصال الفكرة في ست دقائق هي مدة المعزوفة التي استغرقت قرابة ثلاثة أشهر لإنجازها».
فرقة حلم أو «الفرقة الصوفية»، كما يسميها البعض في بغداد تضم أربعة أصدقاء من هواة عزف آلة العود جمعهم حب الفن الموسيقي الذي لم يدرسوه في شكل أكاديمي لكنهم جسدوا ألحانه الجميلة في حفلاتهم الخيرية التي يقيمونها في بغداد والتي استأنفوها منذ قرابة شهر.
ويقول عبدالرحمن: «إن إطلاق تسمية الصوفية على الفرقة جاء نتيجة تقديمها اللون الروحاني في الموسيقى من خلال التصوف في حب الرب بغض النظر عن ماهية ذلك الرب، ومحاولتها الجمع في موسيقاها بين حب الرب والتجلي وحب الناس والتطرق إلى معالجة الجروح الإنسانية».
الفرقة وهي من القلة التي أقامت أمسيات عزف لرجال دين معممين، وحاولت توظيف بعض الكلمات الروحانية في الموسيقى لشد انتباهم، كما عزفت مجموعة مقطوعات مختلفة جمعت بين الأديان والأعراق من بينها معزوفة «العشاء الأخير» ومعزوفة «حلبجة» التي تحدثت عن مأساة القرية الكردية المكنوبة، فضلاً عن معزوفة «كابوس» التي تطرقت إلى الوضع الحالي في العراق.