مقالات

لماذا فشلت أحزاب «الإسلام السياسي» في الوصول للحكم؟

د. شمسان بن عبد الله المناعي

– الظاهرة التي لفتت انتباه الكثيرين من المحللين السياسيين في العالم العربي والإسلامي، والتي لا تزال محط تساؤل لهم هي: لماذا فشلت أحزاب (الإسلام السياسي) في الوصول للحكم أو البقاء فيه خلال ما سمي بثورات الربيع العربي؟ كما حدث في مصر خاصة، وفي تونس، وفي ليبيا حيث تحاول الأحزاب التي تنتسب إلى الإسلام العودة بليبيا إلى المربع الأول. ورغم أن ما سمي بالربيع العربي كان فرصة تاريخية لهم للوصول للحكم وذلك لأن هذه الأحزاب تعتبر من أهم مكونات الحياة السياسية في العالم العربي فإنهم فشلوا في ذلك.

إن ما حدث ويحدث في ليبيا الآن لهو أكبر دليل على عدم وضوح الرؤية الدينية والسياسية عند هذه الأحزاب وجهلهم بالهدف الذي يسعون إليه من وراء الوصول للسلطة. ونريد في البداية أن نستبعد مقولة أن الإسلام محارب من قبل البعض، فذلك شيء مفروغ منه، ومن ناحية أخرى حتى لا نضع الشماعة على الغير. قد يكون معرفة الأسباب التي أدت إلى فشل هذه الأحزاب في البقاء في السلطة كما حدث في مصر كأكبر دولة عربية وتونس التي هي من الدول التي تتأصل فيها الحضارة الإسلامية وليبيا واليمن مراجعة مفيدة لهذه الأحزاب لكي تراجع نفسها وتعيد قراءة حساباتها.

أعتقد أن الوصول إلى تفسير موضوعي وعلمي لهذه الظاهرة يفتح لنا المجال أمام مناقشة أزمة (الأحزاب الإسلامية) في الدول العربية والإسلامية خاصة أن الإسلام هو ديننا الذي نحن بحاجة إليه، وليس هو دينهم فقط، أو هو دين مختص بحزب أو طائفة أو فئة معينة. ومن ناحية أخرى في وقت طغت فيه الحياة المادية في مجتمعاتنا على الجانب الروحي، وأصبح الإنسان العربي والمسلم غريبا عن ثقافته العربية والإسلامية، وفي ظل زحف حضارة وثقافة العولمة. نعم نحن بحاجة إليه لأنه يمثل وجودنا وطريقنا في الحياة، لذا وجب التساؤل عن السبب وراء عدم قدرة هذه الأحزاب التي نسبت نفسها للإسلام عن تحقيق هذا الهدف الذي نسعى جميعا إليه؟
أول حقيقة نصادفها ونؤمن بها ولا يختلف عليها أحد منا هي أن الإسلام هو دين صالح لكل زمان ومكان لقوله سبحانه وتعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينا [المائدة: 3]. فإذا كان الإسلام كذلك فلماذا لم تستطع (الأحزاب الإسلاموية) تحقيق أي إنجاز للمسلمين في حين أن السابقين المسلمين من مراحل تطور الدولة الإسلامية استطاعوا أن يصلوا بالإسلام إلى أقاصي العالم في الشرق والغرب من دون أن يلجأوا إلى العنف والقتال والإرهاب؟

وثاني سبب أدى إلى فشل الأحزاب والتيارات الإسلاموية نابع من هذه الأحزاب والجماعات نفسها، فقد مكثت ولمدة طويلة في عزلة عن الجماهير العريضة من المسلمين التي تعتنق الإسلام ومن جانب آخر أن الإسلام قد تم تقريبه في الدول العربية والإسلامية في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لسنوات كثيرة أثناء خضوع معظم الدول العربية والإسلامية للاستعمار الأوروبي، وانتشار حركات التبشير في هذه الفترة والذي سيطر لأكثر من قرن على هذه الدول حيث غيّر من ثقافتها العربية الإسلامية ونشر الثقافة الأنغلو- سكسونية، وعندما جاءت هذه الحركات الإسلامية أرادت تغيير مجتمعاتها بين ليلة وضحاها ولم تدرك أن تغيير المجتمعات يحتاج لمراحل كثيرة حتى يتم، لقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة من حياته لكي يجذِّر العقيدة الإسلامية في المجتمع المكي فقط، ولم تنزل الأحكام الإسلامية إلا في المدينة المنورة حتى نهاية حياة الرسول صلى عليه وسلم وعندها نزلت الآية الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينا، وأيضا لم يتم تنزيل هذه الأحكام دفعة واحدة، إنما تم التنزيل بالتدريج.

السبب الثالث الذي أعاق هذه الأحزاب عن الوصول للحكم هو أن هذه الأحزاب لا تدرك أن الإسلام هو عقيدة أولا وقبل أن يكون شريعة، وبالتالي العمل بالدعوة إلى الإيمان بالله وإصلاح المجتمع وتأصيل قيم الإسلام في المجتمع هو المطلوب أولا، بيد أن أحزاب (الإسلام السياسي) قامت بالقفز على هذه الحقيقة، ووضع العربة قبل الحصان، ومحاولتهم الوصول للحكم مباشرة والاشتغال بالعمل السياسي دون أن يعرفوا الناس بقيم الإسلام الحقيقية، ويعملوا على إحياء الإسلام في قلوب الناس، وأن من يقوم بالدعوة لله عليه أن يكون في مرتبة عالية من الخلق الحسن ويكون قدوة للآخرين، إضافة إلى أن معظم قيادات هذه الأحزاب ليس لديها الخبرة بالعمل السياسي ولا يدركون أن إمام (حاكم) المسلمين يأتي بالبيعة والإجماع، وهم يريدون أن يفرضوا أنفسهم كقيادات على المسلمين بالقوة بيد أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف، وهذا ما يفسر لنا لماذا ظهرت الفتن والحروب ليس في هذا الزمن فقط، إنما منذ وفاة الرسول إلى يومنا هذا. 

من هنا نقول: إن على هذه الأحزاب أن تراجع نفسها وتدرك أن التقصير قد يكون فيها وليس في الآخرين.
لقد أساءت بعض (الأحزاب الإسلامية) للإسلام بنشر ثقافة التطرف والتعصب بين الشباب المسلم من خلال الخطاب الديني المتطرف عند بعض الجماعات الإسلامية دون إدراكهم أن الإسلام هو دين تسامح ومحبة، وتجاهل هذه (الأحزاب الإسلامية) لهذه الحقيقة أدى إلى تبنيها القوة والعنف تجاه الآخرين ولسنا هنا بصدد عرض تلك الأحزاب والمنظمات التي تنتسب للإسلام وأعلنت (الجهاد) في العالم كله، فهذا معروف وموثق. لكن نقول: هل تراجع أحزاب (الإسلام السياسي) نفسها وترجع إلى الله؟

“الشرق الأوسط”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.